خالد الجيوسي
يبدو الأردن، في وضعٍ صعب، ومُحيّر، وهو يُحارب على كافّة الجبهات، من أجل القُدس، ووصايته الهاشميّة على المُقدّسات، فبعد موقفه المُشرف والتصويت لصالح القُدس في الأمم المتحدة، ورفضه التهديدات الأمريكيّة بقَطع المُعونات عنه، لا بُد أن هذا البلد الضعيف اقتصاديّاً، سيتعرّض لضُغوطات، ليست من أمريكا ذاتها، بل الحُلفاء العرب الذين يضعون أعينهم على دوره التاريخيّ، ومُشاركته وصايته، أو سحبها منه.
يَتحلّى الأردن، بسياسة ضبط النفس، وهو يَعلم جيّداً أن الضغط على عُنقه سيزداد، أمام خياراتٍ قد تضعه ضمن عواصف هو في غنىً عنها، فلا السعوديّة بقيت السعوديّة، ولا سورية وحلفها المُقاوم سقط، وحال الاقتصاد المتردّي على حاله، ويزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
لا بُد أن الأردن وأمام هذه الضغوط غير المسبوقة، سيبدأ بلعب أوراقه واحدة تلو الأُخرى، إذ أن الحُلفاء التقليديين لم يعد يهمهم “أمن الأردن” بقدر ما يهمهم الاستئثار “بصلاحياته”، وتهميش دوره، وهو ما تُسارع إلى التقاطه سورية على لسان القائم بالأعمال أيمن علوش الذي أكّد على دعم بلاده الوصاية الأردنيّة على القدس، كذلك هنّأت المملكة الأردنيّة برئيس مجلس نوابها عاطف الطراونة الجيش السوري بتحرير سورية من رجس الإرهاب.
على الصّعيد الإيراني، يَرأس رئيس النواب الطراونة أيضاً وفد بلاده، في قمّةٍ إسلاميّة، تُعقد في إيران تحت شعار إنقاذ القدس، حيث تستضيف العاصمة الإيرانيّة مُمثّلين لبرلمانات دول التعاون الإسلامي، التي قرّرت الأخيرة بأن تخصص القمة الدوريّة، للتضامن مع القدس.
حتى مع قطر، تبدو المملكة الأردنيّة غير مُحرجة من التقارب، مع الدولة المُحاصرة، بدايةً بحفل السفارة القطرية بعمان، والذي حضرته شخصيات أردنية رفيعة، وانتهاءً بحالة الرضا الإعلامي الذي تُمارسه قناة “الجزيرة” تُجاه الأردن في تقاريرها، رغم إغلاق مكتبها في العاصمة عمّان، وهذا يشي بالكثير.
لا يُمكن للأردن الهاشمي في هذه الظروف، أن ينحني للعاصفة “السعوديّة” تحديداً، والتي تُريد مُشاركته “وصايته”، ومُصادرة حُضوره، وتحويله إلى مُجرّد تابع، وعليه أن يتعدّى مرحلة مُصافحة خصمه التاريخي العثماني، والذي منح قيادته لقب حامي المُقدّسات، وأن يتصالح مع تخوّفاته من الهلال الشيعي، ويزور الرئيس السوري في عاصمته دمشق الذي كان قد طالب بتنحيته، ويَنتقل من الضِفّة السعوديّة إلى القطريّة.
لن يكون الأردن، وحيداً، إذا استثمر في أوراقه جيّداً، فنحن لا نفهم لماذا يُصر على احترام علاقته مع الحليف السعودي، الذي “هجره” اقتصاديّاً، بل يُريد أن يخنقه بتوجيه إنذار باعتقال مُؤقّت لمُحرّك اقتصاده رجل الأعمال صبيح المصري، وأخيراً وعلانيّةً يعترض على وصايته، ويُريد إلغائها، هل يخشى الأردن مثلاً على تحويلات المُغتربين من السعوديّة؟
نعتقد أن في كل من الدوحة، اسطنبول، طهران، ودمشق، ما يُمكن أن يُشكّل طوق نجاة للأردن، والحرص على “حرد” الأشقاء قد يقصم الظهر، ولو نظرنا إلى القُدرات السعويّة في قائمة “بطح” الدول، سنجد أنها خسرت حتى في جلب تعاطف داخل جبهتها الداخليّة، وسيفها المُسلّط على رِقاب الدول، لا يجب أن يصل إلى الأردن، والعين بالعين، والسن بالسن، والبادِئ أظلم، أليس كذلك؟