زوايا
أحمد سعداوي
لوحة دعاية في بغداد لمحمد الحلبوسي مرشّحا في انتخاب مجالس المحافظات (14/11/2023/فرانس برس)+الخط–
أقلّ من شهر على موعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق، المقرّر أن تنظم في 15 محافظة عراقية [ما عدا محافظات إقليم كردستان العراق الثلاث]، وستكون في الـ18 من الشهر المقبل (ديسمبر/ كانون الأول) أول انتخابات لمجالس المحافظات بعد عقد، أي منذ إبريل/ نيسان 2013.
وكما هو متوقّع قبيل موسم أي انتخابات في العراق، لا بدّ من مفاجآت، وكانت هذه المرّة صادرة من القضاء العراقي، بقراره إيقاف عمل رئيس مجلس النوّاب العراقي محمد الحلبوسي، ما دعا إلى إقالته من منصبه، وهو الذي يشغل أعلى منصب سياسي للعرب السنّة في العراق، ويعدّ، بين أوساط كثيرة، أكثر الشخصيات السنيّة شعبية، وله حظوظ كبيرة في انتخابات مجالس المحافظات ضمن مناطق نفوذ السنّة في العراق. وفي هذه الإقالة روائح “تنافس سياسي”، وتعدّ ضربة قوية للتحالف السياسي الذي يقوده الرجل، وإضعافاً لموقفه بين منافسيه الآخرين.
لا أحد يعرف إن كان تحالف الحلبوسي السياسي “تقدّم” سيبقى متماسكاً، وما هي حظوظه في الانتخابات المقبلة، ولكن قرار المحكمة الاتحادية العليا أزعج أنصاره، وأوصل رسالة سياسية واضحة؛ أن هناك حدوداً لأيّ سياسي سنّي عليه ألا يتجاوزها، خارج إطار القوى المهيمنة على النظام السياسي، وتحديداً الأحزاب الشيعية الكبرى، التي تصادمت مع هذه المحكمة في أكثر من مناسبة في السنوات الماضية، ما جعل الأخيرة مؤسسة غير محايدة، توظّف القانون لأهداف الأحزاب المهيمنة ومصالحها.
ما سوى هذه القنبلة التي فجّرها النظام السياسي بوجه أحد لاعبيه الكبار، من الواضح أن الأحزاب المهيمنة على العملية السياسية في العراق تريد أن تفرض سطوتها على انتخابات مجالس المحافظات، على أكثر من مستوى، فهي تريد المنافسة بقوّة في المحافظات المختلطة، كما ديالى وصلاح الدين وبابل، كي توازن نسبة السنّة، وتريد فرض سيطرة مريحة على مجالس المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعيّة، خصوصاً مع غياب التيار الصدري، المنافس الأقوى لها، بما يضمن لها السيطرة على سياسات الحكومات المحلية للمحافظات، واستثمار الموارد المخصّصة لها.
ولكن هذا ليس بالهدف السهل، فعلينا أن نتذكّر أن هذه الأحزاب ليست لديها شعبية كبيرة، وكانت الطرف الخاسر في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، واضطرّت إلى تجاهل اختلافاتها الكبيرة فيما بينها، كي تكوّن تحالف “الإطار التنسيقي” ليقف بوجه مقتدى الصدر، الذي منحهم، في نهاية المطاف، مقاعده الثلاثة والسبعين بالمجان [قدم نوّابه استقالة جماعية]، وهم يحكمون بقوّة ملء شواغر هذه المقاعد ليس إلا. وقد أعلن الصدر مقاطعته هذه الانتخابات، وتضامنت معه بعض التكوينات السياسية الجديدة. ومن الواضح أن جزءاً كبيراً من الناخبين بشكل عام، في غياب البدائل المقنعة، سيكونون ميّالين إلى المقاطعة.
من زاوية أخرى؛ من بين 70 حزباً وتحالفاً سياسياً ستشارك في الانتخابات، هناك شخصيات مستقلة، بالإضافة إلى تحالف “قيم” المدني، تعلن نفسها بديلاً عن أحزاب الإسلام السياسي الشيعي الحاكمة، وأنها قريبة من روح حراك تشرين 2019 وتطلّعاته. لكن “التشرينيين” ليسوا متّحدين في مطلب المشاركة أو المقاطعة، ولن يخدم هذا التشتّت فرص الأحزاب التشرينية أو المدنية.
هناك نفَس سوداوي له مبرّراته الواقعية يغلّف تفكير الساعين إلى التغيير في العراق، فمن الواضح أن لدى الأحزاب الحاكمة، المتّهمة بالفساد وانتهاك القانون، أوراقاً كثيرة تلعب بها لضمان مصالحها، غير أنه لن تكون هناك فرصة للتغيير إن فكّرنا بحصوله من خلال ضربة واحدة. وانتخابات مجالس المحافظات المقبلة فرصة مهمة على أكثر من صعيد، فهي سترفع قادة محليين يعرفهم مجتمعهم جيّداً، وسيعملون في مساحاتٍ قريبة من المواطنين، وهذا سيخدم التشرينيين والمدنيين لبناء قاعدة تفكير سياسي مغاير، وتكوين جمهور يدفعهم إلى خطوات سياسية أكبر في المستقبل. كما أن المقاطعة أو ضعف الإقبال على الانتخابات لم يمنع أحزاباً خاسرة من العودة الى دفّة السلطة. ولن تزعزع مقاطعة انتخابات المحافظات سلطة الحاكمين الحاليين. بالإضافة إلى حاجة الطامحين إلى التغيير من الشباب إلى ميادين تدريب وتكوين خبرة سياسية. ولن يحصلوا عليها بالمقاطعة.
لن تكون هناك معركة فاصلة واحدة مع الفاسدين، والبديل إما تركهم يلعبون وحدهم، أو مزاحمتهم على المساحات التي يتحرّكون فيها، وهي، في كل الأحوال، ليست معركة نظيفة، ولا خالية من المخاطر.