لم يكن ما جرى السبت في اليمن وليد اللحظة، فما من عاقل كان بوسعه الحديث عن تحالف دائم بين الحوثيين والمخلوع؛ تبعا لحقيقة أن أحلام كل منهما مختلفة، فضلا عن التباينات الفكرية والأيديولوجية، ما يعني أن نهاية الزواج بينهما كانت مسألة وقت لا أكثر.
المخلوع يعبد ذاته، وليست لديه أية خطوط حمراء في السياسة، لكن الحوثيين ليسوا كذلك، فهم جزء من مشروع إيراني، ولن يكونوا غير ذلك، ومهمتهم بالنسبة لإيران هي استنزاف السعودية التي باتت الخصم الأكبر، في ظل غياب مصر عن معادلة الصراع الراهنة.
منذ انقلاب الحوثي على ثورة الشعب اليمني وعلى الرئيس الشرعي، وظهور تحالفهم مع المخلوع، لم يتوقف الأخير عن إرسال الرسائل إلى السعودية؛ بأنه جاهز للحوار وعقد صفقة، لكن الأخيرة التي جرّبته مرارا ترددت في قبول عروضه، ربما على أمل أن تنجح “عاصفة الحزم” في إنجاز المطلوب، لكن الشكوك التي تساور “التحالف” حيال الإسلام السياسي، ممثلا في اليمن في “تجمع الإصلاح” لم تكن تسمح بذلك، وما كان يمكن للحسم أن يتم في ظل استبعاد القوى الثلاث الأكبر مجتمعة (المؤتمر الشعبي، والإصلاح، والحوثي).
هل أدركت الرياض ذلك متأخرة؟ ربما، وربما جاء الضغط الدولي الكبير بسبب المأساة الإنسانية (إلى جانب النزيف المالي) ليعيد ترتيب الأولويات، وجاء لقاء ولي العهد السعودي الفريد مع قادة “الإصلاح” في الرياض؛ ليشير إلى رؤية جديدة.
الآن؛ يأتي ترحيب “التحالف” بالتطورات التي وقعت في صنعاء، إلى جانب اللغة الإعلامية الجديدة في وصف المخلوع؛ لتشير إلى نفس جديد حياله، ويبدو أن “الإصلاح” لم يكن بعيدا عن أحداث صنعاء والمناطق الأخرى، وله مشاركة حقيقية فيها، بدليل تصريحات محسن الأحمر القوية.
لكن الحوثي لم يكن بهذه البساطة في واقع الحال، فهو طوال الوقت جاهز لاحتمال الانقلاب عليه من قبل المخلوع، وهو لم يكن نائما، وحليفه يقدم نفسه للرياض في كل خطاب بوصفه الحل، ولذلك جاءت التطورات التالية لتؤكد ذلك، فما إن تقدمت قوات المخلوع في مناطق عديدة حتى استعاد الحوثيون بعض تماسكهم، وبدأوا في الهجوم المضاد.
لا الحوثي يمكن أن يسلّم أوراقه بسهولة، ولا إيران تسمح بخسارة هذه الورقة البالغة الأهمية في الصراع، ولذلك من الصعب الحديث عن حسمٍ سريع، وإن تمنيناه، حتى لو تمت الصفقة الكاملة عبر وعود معينة لصالح، ولم تبق مجرد تكهنات، لكن ذلك لا يقلل من أهمية ما جرى من تطورات، يمكن أن تفضي إلى إدراك الحوثي لعبثية أحلامه، إلى جانب عبثية الاستمرار في العمل كأداة إيرانية بصرف النظر عن مصير عناصره، وبصرف النظر عن موقف بقية الشعب اليمني الذي ذاق الويلات ويبحث عن مسار للخلاص بأي ثمن.
من هنا يمكن لهذه التطورات أن تفتح أفقا حقيقيا لحل سياسي لا يستبعد الحوثيين، لكنه لا يمنحهم فرصة تكرار نموذج حزب الله، واليمن لن يحكمه طرف واحد بعد كل الذي جرى، وهو لن يستقر بحكم طرف واحد، كما لن يستقر في ظل موقف عدائي حيال الجارة الكبيرة، لكن موقفا من هذا النوع سيحتاج تحررا حوثيا من التبعية الكاملة لإيران، أو قناعة إيرانية بوقف هذه اللعبة المدمّرة، لا سيما أن الإصرار عليها في حال تأكدت الصفقة بين التحالف والمخلوع بحضور “الإصلاح”، لن يفضي لغير حسمٍ عسكري، حتى لو تأخر بعض الوقت، مع خسارة الحوثيين لما تبقى لهم من تعاطف معهم في صفوف فئة من الشعب.
المسألة إذن تتبع رؤية محافظي إيران، وما إذا كانوا سيغامرون بالحوثيين وباليمنيين عموما من أجل استنزاف السعودية، أم سيدفعون الحوثي للخيار الآخر. والحق أنه لا مؤشر على رشد في طهران، ما قد يجعل المضي في برنامج الحسم هو الخيار المتاح.