في كل مرحلة سياسية عراقية، تتجدد التساؤلات حول دور الأفراد في تغيير المعادلات السياسية وصناعة التحولات الكبرى. اليوم، تطرح عودة مصطفى الكاظمي إلى الساحة السياسية مجددًا تساؤلًا مهمًا: هل يمكن للفرد، مهما كانت مكانته، أن يكون محركًا رئيسيًا لتغيير واقع معقد كالوضع العراقي؟ وهل نجاح العراق مرتبط بالأشخاص أم بالنظام والهيكل السياسي الذي يعاني من التشوهات؟
بعد أن أنهى الكاظمي فترة رئاسته للحكومة، حملت عودته إلى الأضواء آمالًا جديدة، وسط حالة من الانقسام في الشارع العراقي بين مؤيدين يرون فيه رجل المرحلة القادر على إعادة العراق إلى المسار الصحيح، ومعارضين يشككون في إمكانية أي تغيير حقيقي في ظل الأزمات المزمنة التي يعاني منها البلد.
الكاظمي بين التفاؤل والشكوك
من جهة، يرى البعض أن الكاظمي قد تمكن خلال فترة حكمه من تحقيق خطوات نوعية في مجالات الأمن والاقتصاد، خصوصًا في تعزيز العلاقات الخارجية للعراق. وبالتالي، فإن عودته قد تكون بمثابة فرصة جديدة للانطلاق نحو مشروع سياسي واضح ومعالجة
المشكلات المتراكمة.
لكن من جهة أخرى، يبقى السؤال الأهم: هل العراق بحاجة إلى قائد مثل الكاظمي أم إلى تغيير جذري في النظام السياسي؟ فالعراق، الذي تعرض للعديد من الصدمات منذ 2003، لا يمكن أن ينهض بمفرده على أكتاف فرد مهما كان قوياً. كما أن النظام السياسي القائم منذ أكثر من عقدين من الزمن يعاني من التهميش والفساد والانقسامات العميقة بين مكوناته المختلفة.
الجانب الهيكلي في المعادلة
يجب أن نأخذ في الاعتبار أن المشكلات التي يعاني منها العراق ليست مجرد مشكلات إدارية أو اقتصادية، بل هي مشكلات بنيوية ترتبط أساسًا بنظام الحكم ذاته. فالعراق لا يعاني فقط من نقص في الكفاءات، بل من ضعف في المؤسسات، من فساد مستشري، ومن نظام سياسي فشل في تحقيق التوازن بين القوى المختلفة في البلاد.
من هنا، فإن العودة إلى مسألة الأفراد قد تكون سطحية إذا لم تُرافقها خطوات حقيقية نحو إصلاح النظام السياسي، وتعزيز دور المؤسسات، وتفعيل مبدأ الدولة المدنية القادرة على تحييد المصالح الشخصية. الكاظمي وحده لا يمكنه إحداث التغيير المنشود دون بناء بيئة سياسية جديدة، قائمة على أسس من الشفافية والمشاركة الشعبية الفاعلة .
العراق اليوم بحاجة إلى قيادة تتمتع برؤية استراتيجية وواقعية، ولكن الأهم من ذلك هو نظام سياسي يعكس تطلعات الشعب ويعزز من استقلالية القرار العراقي بعيدًا عن التدخلات الخارجية. فهل يمكن للكاظمي، أو غيره من القادة، أن يكونوا المفتاح لحل عقدة العراق؟ الجواب يعتمد على تجاوز الرهانات الفردية وتكريس الجهود نحو بناء نظام يضمن استقرار البلد ويعزز من تطوره بعيدًا عن هيمنة الأفراد او. الجماعات الفئوية والتدخلات الخارجية .