سارع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بإرسال موفديه ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى إسرائيل الاثنين الماضي، إثر تعدد انتهاكات حركة «حماس» وإسرائيل للهدنة في نهاية هذا الأسبوع، ما يدلل على هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وتبرز هشاشة الاتفاق بين الطرفين ضرورة الدخول في المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باعتبار الطبيعة المعقدة لهذه المرحلة الثانية من الاتفاق، لكونها تتعلق بنزع سلاح حركة «حماس»، والانسحاب التدريجي للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وإنشاء هيكلية حكم جديدة للقطاع.
ويسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إنقاذ أعظم نصر دبلوماسي له منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، وذلك من خلال إبقاء جميع الأطراف تحت الضغط، وطلب لذلك من شركائه في المنطقة استئناف المحادثات مع قادة «حماس» السياسيين للتحضير للخطوات التالية في اتفاق السلام.
ولا يبدو أن طريق الاستمرار في حالة وقف إطلاق النار سالكة، لأن مصلحة الطرفين المتحاربين تتعارض في العمق مع الرغبة في إحلال السلام الدائم، الذي لن يكون ممكناً دون الخوض بجدية في الأفق السياسي لعملية السلام، أي إقامة الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين الذي أقرته المواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة.
وإذ تعارض حكومة اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتانياهو هذه المآلات الضرورية لإحلال السلام، لأنها تهدد استمرارها وتماسكها، وتفتح مستقبلاً باب المحاسبة القضائية التي يسعى نتانياهو لتجنبها بكل الوسائل، فإن حركة «حماس» لا تبدي تفاعلاً حقيقياً مع مطالب نزع سلاحها لأن ذلك يهدد جدياً نفوذها ومستقبلها السياسي والميداني في القطاع، وقد كانت «حماس» أعلنت بالفعل أنها لا تنوي نزع سلاحها، وبالعكس من ذلك، أعاد مقاتلوها عملية انتشارهم في مدن القطاع، ونفذوا عمليات تصفية لخصومهم تحت يافطة محاربة التعاون والتجسس لصالح الجيش الإسرائيلي.
ويتضح كل يوم أن أي اتفاق يفرض على الفلسطينيين ضد إرادتهم وباستثناء واضح للأطراف الوطنية الفلسطينية، قد يحقق بعض الاستقرار، ويضمن وجود بعض التوازنات، ولكنه لن يؤدي إلى سلام دائم، ولن يحقق الاستقرار السياسي المنشود.
ويتجه الرأي أولاً إلى أن الاتفاقيات التي لا تأخذ في الاعتبار الأسباب العميقة لأي صراع قد تصمد لحين، وقد تحقق بعض الأهداف الآنية، ولكن مآلها في النهاية الانهيار، وهو ما يُعاب على مجمل ما توصل إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من هدنات واتفاقيات في مناطق نزاع عدة من العالم، تطبيقاً لرؤيته للسلام التي تقوم على فرض التفاهمات والسلم بمنطق القوة والضغط، من دون الأخذ بالأسباب العميقة للنزاعات.
ويتجه الرأي ثانياً إلى أن أي تفاهمات واتفاقات تجانب القانون والشرعية الدولييْن وتهمشهما لن يُكتب لها الدوام، ولن تؤدي إلى اجتثاث بؤر التوتر في العالم، لأن إرساء الأمن والسلم في العالم، يستوجب أولاً وقبل كل شيء، الاتفاق على مجموعة القواعد القانونية والأخلاقية التي تحكم العلاقات الدولية، لتصبح المرجع الرئيسي في حسم الخلافات، وبخلاف ذلك يسود منطق القوة والغاب من جديد، وهو ما يتعارض بقوة مع الحلم الإنساني في إحلال السلم والأمن في العالم.
إن منطق القوة والضغط وفرض الحلول القسرية على الواقع المعقد، قد يمكّن صاحبه من بعض المكاسب، ولكنه على المدى المتوسط والبعيد وبال على جميع الأطراف الرابح الوقتي منها والخاسر.
وإنه لا شك في أن القضية الفلسطينية شديدة التعقيد، ولا يمكن أن ينظر إليها من زاوية المصالح الضيقة لحكومة نتانياهو أو الأجندة الملتبسة والغامضة لحركة «حماس» الإخوانية، أو حتى من زاوية طموحات وأهداف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لأنها قضية راكمت نضالات شعب من أجل حقوقه المشروعة في دولة على أرض فلسطين، مثلما أقرته الشرعية الدولية التي أنصفت الفلسطينيين بجزء من حقوقهم التاريخية، وهي قضية كانت قبل نتانياهو و«حماس» وترامب، وستستمر لو كانوا يعلمون، وإن أنصاف الحلول والسلام مع غير المعنيين بالسلام لا تجدي نفعاً ولا تحقق الأمن فضلاً عن السلام.

