طارق الحميدصحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
من يعتقد أن ما تقوم به الميليشيات التي تصف نفسها بمحور «الممانعة» في منطقتنا، سواء في اليمن أو لبنان أو سوريا، وحتى العراق، «مقاومة»، ودفاع عن غزة، فهو واهم، حيث إن تلك الميليشيات الإيرانية لا تدافع عن غزة بقدر ما تسهم بتدمير المنطقة اقتصادياً وأمنياً. والأخطر أنها، أي الميليشيات، تدمر مفهوم الدولة، وتحت قيادة «فيلق القدس» الإيراني الذي لم يطلق رصاصة من أجل القدس. ولذا، فإن ما يحدث اليوم بمنطقتنا هو التدمير مقابل التدمير، في حالة عبث مربكة.
ما يحدث اليوم هو أن إسرائيل تواصل عربدتها بغزة، حيث القتل وتدمير البنى التحتية فيها، وحتى المؤسسات المنوط بها الأعمال الإنسانية، بينما تقوم الميليشيات الإيرانية بالرد من خلال تدمير بعض دول منطقتنا.
مثلاً، تدمر إسرائيل غزة فيرد الحوثي باستهداف أمن واقتصاد الملاحة البحرية، والاقتصاد اليمني. بالأمس فقط أعلن عن غرق سفينة الشحن «روبيمار»، جنوب البحر الأحمر، وعلى بعد 16 ميلاً من ميناء المخا اليمني بعد استهدافها من الحوثيين.
وعدا عن الأضرار الاقتصادية الدولية والعربية، خصوصاً تضرر قناة السويس بمصر، فإن غرق السفينة سيتسبب بكارثة بيئية بحرية، كونها ذات صهاريج سائبة «تحمل 22 ألف طن من الأسمدة (مواد خطرة) و120 طناً من الديزل والمازوت».
وسيؤدي ذلك إلى تضرر مئات الآلاف من اليمنيين الذين يعتمدون على الصيد البحري، هذا عدا عن تحذير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، بأن مخاطر التصعيد الحوثي بالبحر الأحمر ستؤدي إلى نقص الغذاء باليمن، وتعطل أو إغلاق الموانئ، واضطراب الإمدادات، وارتفاع الأسعار.
فهل ما يفعله الحوثي هو انتصار لغزة؟ الأكيد لا، والحقيقة أن الحوثي حالة فريدة في قلة الوعي السياسي والعسكري، وهو الذي استهدف سفينة تزود اليمن بالغذاء، وأخرى متجهة لإيران، وفوق هذا وذاك استدعى بجهله السياسي الغرب لتسديد ضربات جوية إلى مواقعه.
والأمر نفسه في لبنان، فرغم كل دعاية «حزب الله»، وادعائه مناصرة غزة، فإن الحقيقة هي أن الحزب لم يناصر غزة قط، وإنما يستغل شعار «لا صوت يعلو على صوت المعركة»، لتمكين نفسه، وتجنب الحرب؛ لأن مصالحه هي مصالح إيرانية.
وبالتالي، أدى كل ذلك لإطالة الشــــغور الرئاسي وسط مخاوف اللبنانيين من أن تكون بلادهم الهدف التالي لإسرائيل بعد غزة. يحدث كل ذلك بينما يواصل الحزب تدمير الجبهة الداخلية اللبنانية اجتماعياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً.
ولا يختلف العراق عن حال لبنان، حيث الاغتيالات، والعنف المستمر، بينما تدعي الميليشيات الإيرانية هناك انشغالها بالدفاع عن غزة من خلال عمليات استدعت ضربات أميركية على بعض المواقع بالعراق.
وبالطبع، لا يختلف حال سوريا عن ذلك العبث، وكذب نصرة غزة، حيث باتت سوريا مسرحاً مفتوحاً للعمليات الإسرائيلية التي تستهدف قيادات كل من إيران و«حزب الله» هناك، ووسط صمت رسمي غريب، ومنذ 12 أكتوبر (تشرين الأول).
خلاصة القول أن إسرائيل تضرب غزة، والميليشيات الإيرانية تضرب دول المنطقة، وأمنها واقتصادها، حيث بِتْنا بمرحلة التدمير مقابل التدمير، فهل هناك جنون أكثر من هذا؟!