غزة والزلزال يحضران في مهرجان مراكش الدولي للفيلم

1

الجائزة الكبرى للمغربية أسماء المدير عن “كذب أبيض” ولجنة التحكيم تكرم الفيلم الفلسطيني “باي باي طبريا”  

عبد الرحيم الخصار  

المخرجة المغربية أسماء المدير تفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان مراكش (خدمة المهرجان)

لم يكن فوز المخرجة المغربية أسماء المدير (مواليد 1990 في مدينة سلا) بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم في مراكش حدثاً مفاجئاً للذين يتابعون مسارها الفني خلال السنوات الأخيرة. فصعودها إلى منصة التتويج مساء أمس السبت، في الحفلة الختامية لمهرجان مراكش السينمائي، كان نتيجة طبيعية لما راكمته من إنجازات مهمة وحضور لافت في فترة قصيرة. ويكفي أنها خرجت من مهرجان “كان” في دورته الأخيرة بجائزتين، جائزة الإخراج في مسابقة “نظرة ما”، وجائزة العين الذهبية للمهرجان.

قبل عشر سنوات فقط دخلت أسماء المدير عالم الإخراج بفيلمها “الرصاصة الأخيرة” 2010، مباشرة بعد تخرجها من الأكاديمية المغربية للسينما، وعقب دراساتها العليا المتخصصة في السينما الوثائقية والإنتاج في جامعة عبد المالك السعدي في مدينة تطوان شمال المغرب، والمعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، والمدرسة الوطنية لمهن الصورة والصوت في باريس.

من فعاليات المهرجان.jpg

جانب من فعاليات مهرجان مراكش الدولي للسينما  (خدمة المهرجان)

ومنذ فيلمها الأول توالت أعمالها بإيقاع منتظم: “ألوان الصمت” 2011، “الحمد لله، إنه يوم الجمعة” 2013، “قطع خشنة” 2015، “هارما” 2016، “الحرب المنسية” 2019، “أم الأكاذيب” 2019، “في زاوية أمي” 2020 و”كذب أبيض” 2023 الذي حظي بالنجمة الذهبية لمهرجان مراكش الدولي. ويعود هذا الفيلم إلى ما يسميه المغاربة “سنوات الرصاص” أو سنوات الاحتدام السياسي، حيث ووجه المتظاهرون في الشارع بالرصاص الحي، مع مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وتزامناً مع طفولة المخرجة التي نقلت تفاصيل حقيقية من حياتها، يلتقي فيها ما هو شخصي بما هو سياسي.

وتوجت المدير، بالإضافة إلى جائزتي “كان”، بجوائز أخرى من بينها الجائزة الكبرى في مهرجان المرأة الدولي في تورنتو الكندية سنة 2021، والجائزة الكبرى في المهرجان السينمائي لمدينة نوورو الإيطالية في العام نفسه، وجائزة الإخراج في مهرجان العيون للفيلم الوثائقي سنة 2019.

إضافة إلى النجمة الذهبية التي عادت لمخرجة مغربية لأول مرة في تاريخ المهرجان، منحت لجنة التحكيم جائزتها لفيلمي “باي باي طبريا” للفلسطينية لينا سوالم و”عصابات” للمغربي كمال الأزرق. أما جائزة الإخراج فكانت من نصيب السنغالية راماتا – تولاي سي عن فيلمها “بانيل وأداما”، وعادت جائزة أحسن دور رجالي إلى الممثل التركي دوكا كاراكاش عن أدائه في فيلم “المهجع”، فيما فازت الممثلة البوسنية أسيا زارا لاكومدزيا بجائزة أحسن دور نسائي عن أدائها في فيلم “نزهة”.

 الزلزال وغزة يخففان من مظاهر الاحتفال

اختار المهرجان الدولي للفيلم في مراكش أن ينظم دورته الجديدة، التي انطلق في 24 من الشهر الماصي، بأقل احتفال ممكن، تضامناً مع ضحايا غزة وضحايا زلزال الحوز، الذي وقع قريباً من المدينة الحمراء. فقد ألغت اللجنة المنظمة فقرة مرور الفنانين على البساط الأحمر في الهواء الطلق وسط جمهور المهرجان، كما ألغت العروض التي كانت مبرمجة في ساحة جامع الفنا، حيث اعتاد سكان المدينة وزوارها على مشاهدة مجموعة من الأفلام في الساحة العريقة للمدينة. واكتفت بإقامة الأنشطة الكبرى للمهرجان في قصر المؤتمرات وسينما كوليزي.

image.jpg

من الفيلم الفلسطيني “باي باي طبريا” (ملف الفيلم)

وفي هذا السياق، استضاف المهرجان 740طفلاً من منطقة الحوز، تضررت عائلاتهم من الزلزال، في فقرة “الجمهور الناشئ”، فأتيح لهم أن يشاهدوا ويناقشوا 6 أفلام من المغرب واليابان وكندا وفرنسا ولوكسمبورغ وإيران. أما القضية الفلسطينية فكانت ممثلة بفيلم “باي باي طبريا” للمخرجة لينا سوالم، المشارك في المسابقة الرسمية. ويعرض هذا الفيلم الوثائقي موضوعة الاغتراب عن البلاد، والعودة إليها، ونظرات أربعة أجيال إلى الوطن منذ 1948 إلى لحظتنا الراهنة. فالفيلم هو بمثابة سيرة ذاتية للمخرجة لينا سوالم، تشارك فيه والدتها الممثلة هيام عباس التي غادت البلاد في شبابها من أجل تحقيق حلمها في التمثيل، واستقرت في باريس حيث ولدت لينا لتكبر في المغترب، وتنقل حكاية أمها وحكاية أسلافها لجمهور الفن السابع، وتستعرض موضوعة الهوية والاغتراب والاحتلال. اعتمدت المخرجة على أرشيف والدها الممثل الجزائري زين الدين سوالم، إضافة إلى ما التقطته والدتها من صور، وإلى محكيات متوارثة من جدة والدتها. تم عرض الفيلم في قصر المؤتمرات، وقد وقف الجمهور للتصفيق مطولاً بعد نهاية عرضه، في أجواء ذات طابع تضامني.

تنوع في الجغرافيا والمواضيع

قسمت الدورة الأخيرة برنامج عرض الأفلام إلى عدة أقسام: المسابقة الرسمية، العروض الاحتفالية، العروض الخاصة، القارة الحادية عشرة، بانوراما السينما المغربية، عروض الأفلام للجمهور الناشئ، فضلاً عن الأفلام التي تم تقديمها في فقرات التكريم. وقدم المهرجان على مدار أيام دورته العشرين 75 فيلماً عالمياً تمثل 36 دولة. وتميزت الدورة بتشجيعها للمخرجين الشباب، فاختارت لجنة التنظيم 14 فيلماً للمسابقة الرسمية، 10 أفلام منها هي الأعمال الأولى لمخرجيها. وراهنت على مقاربة النوع، فأعطت الأولية لنساء الفن السابع، فشاركت في المسابقة الرسمية 8 مخرجات.

تبارت ضمن المسابقة الرسمية أعمال سينمائية من مختلف القارات، واللافت هذه الدورة هو أن كل الأفلام المتبارية، باستثناء “الهدير الصامت” للبريطاني جوني بارينكتون، مشتركة الإنتاج بين بلدين أو ثلاثة إلى ستة: “بانيل وأداما” لراماتا – تولاي سي (فرنسا- السنغال – مالي)، “باي باي طبريا” للينا سوالم (فلسطين – فرنسا – بلجيكا- قطر)، “مدينة الرياح” لغاكفدولام بوريف- أوشيرا (فرنسا – منغوليا- البرتغال – هولندا – ألمانيا – قطر)، “ديسكو أفريقيا” للوك رازاناجاونا (فرنسا – مدغشقر – موريسيوش)، “المهجع” لنهير تونا (تركيا – ألمانيا – فرنسا)، “نزهة” لأونا كونجاك (البوسنة والهرسك – كرواتيا – صربيا – فرنسا – النرويج – قطر)، “كذب أبيض” لأسماء المدير (المغرب – مصر – السعودية – قطر)، “عصابات” لكمال الأزرق (المغرب – فرنسا – بلجيكا – قطر – السعودية)، “عالمنا” للوانا باجرامي (كوسوفو – فرنسا)، “الابن الآخر” لخوان سيبستيان كويبرادا (كولومبيا – فرنسا – الارجنتين)، “سجن في جبال الأنديز” لفيليبي كارمونا (التشيلي – البرازيل)، “الحصيلة” لكارولينا ماركوفيتش (البرازيل – البرتغال) و”يوم الثلاثاء” لداينا أو. لوسيتش (أميركا – بريطانيا).

عرض فيلم أنا القبطان لماتيو غارون.jpg

من عرض فيلم “أنا القبطان” (خدمة المهرجان)

تنوعت تيمات الأفلام المتبارية في المسابقة الرسمية بين التخاطرات الروحية في المجتمع المادي، والحب وأعراف المجتمع، والمراهقة وإثبات الذات، والفساد السياسي، والحياة في الأحياء الشعبية، والاعتقال وغيرها من المواضيع التي تتسم بالراهنية، وتفتح نقاشات متشعبة تهم الحياة الخاصة والعامة على السواء.

وتوزعت محاور ندوات الدورة العشرين على مواضيع تهم الفن السابع، كالخزانات السينمائية وأفلام الإثارة والتحقيق، والمتخيل في السينما، عبر قراءة وتحليل لنماذج سينمائية عربية وغربية. وقد اختارت اللجنة المنظمة أن تكرم اسمين بارزين في السينما الراهنة، هما المخرج المغربي فوزي بنسعيدي والممثل الدانماركي مادس مكيلسن. وأشرفت على دورة جديدة من برنامج “ورشات الأطلس” الموجه لدعم السينمائيين الشباب من بلدان أفريقيا والشرق الأوسط.

التعليقات معطلة.