دعوات إلى تعزيز التزام القطاع المالي قانون مكافحة هذه الظاهرة مما يسهم باستقرار النظام المالي في البلاد
البنك المركزي العراقي (رويترز)
تشكل الموازنة الاتحادية عصب الحياة للحكومة العراقية وخططها التنموية والاقتصادية في النهوض وإعمار البلاد، ومع التصويت على موازنة مالية لثلاث سنوات في مشروع قانون واحد للمرة الأولى في تاريخ العراق، الذي صوت عليه البرلمان في يونيو (حزيران) الماضي، إلا أنه لم يتم إطلاقها حتى الآن لأسباب عديدة، أبرزها قرب انتخابات مجالس المحافظات في الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ومنعاً لاستغلال الموارد المالية في الدعاية الانتخابية، كذلك تأخر التصويت على الموازنة لأشهر عديدة وتأخر إصدار تعليمات التنفيذ، فضلاً عن ارتباطها بمكافحة غسل الأموال.
وبلغت موازنة ثلاث سنوات (2023، 2024، 2025) بحسب قانون الموازنة، 153 مليار دولار، بعجز متوقع يصل إلى 48 مليار دولار، في حين تم اعتماد سعر النفط بواقع 70 دولاراً للبرميل، إذ تشكل صادرات النفط العراقي أكثر من 96 في المئة من واردات العراق المالية.
ويرى متخصصون في الشأن المالي والاقتصادي العراقي لـ”اندبندنت عربية”، بأن تنفيذ الموازنة العامة في العراق يتطلب إجراءات قانونية ورقابية دقيقة للتصدي لأية شبهات أو مظاهر غسل الأموال العامة، وحذروا من الآثار السلبية لجرائم غسل الأموال على الجانب الاقتصادي والاجتماعي.
آفة للمجتمع
وقال النائب عامر عبدالجبار على منصة “إكس” إن قانون الموازنة مشرع منذ أشهر عدة، والحكومة غير قادرة على تنفيذه ما لم توقف غسل الأموال وتهريب العملة.
وفي هذا السياق، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، تتحدد ظاهرة غسل الأموال في عملية إخفاء مصدر الأموال التي تم الحصول عليها من مصادر غير مشروعة وتحويلها إلى مصدر نظيف ومن ثم تجنب الملاحقة القضائية والإدانة، أي إنها ممارسة غير قانونية تحول الأموال السوداء إلى أموال بيضاء.
وتابع أن “نشاط غسل الأموال آفة للمجتمع ككل، إذ يجعل الأغنياء أكثر ثراء ويسبب خللاً في التوازن الاجتماعي، لذا فإن إضفاء الشرعية على عائدات النشاطات غير المشروعة مثل الاتجار بالمخدرات وتمويل الإرهاب وتهريب البشر وما إلى ذلك له كلفة اجتماعية واقتصادية هائلة على المجتمع، ولما كانت نفقات الموازنة العامة السنوية في بلادنا تشكل قرابة 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الأمر يقتضي انضباطاً إجرائياً عالياً في الحفاظ على المال العام الذي يتم إنفاقه من خلال أبواب الصرف، وهذا يقتضي موارد ومجهودات رقابية وتدقيقية سابقة ولاحقة للصرف لضمان سلامة التصرف بالمال العام وبحسب أغراض التصرف بالمال أو الإنفاق”.
ووفق المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي ضبط التصرفات المالية يحمل كلفة مادية وزمنية ابتداء من تعليمات وإجراءات أنظمة إحالة المشاريع الاستثمارية وضمان سلامة مواصفاتها واعتدال أسعارها إلى آليات التجهيز والمشتريات وصرف المستحقات والتحاسب الضريبي ودقة تحصيل المستحقات الحكومية والعشرات من الإجراءات التي ترافق التحصيل الحكومي والصرف في آن واحد.
اقرأ المزيد
- غسل الأموال… جريمة تكلف العالم كل عام 4.6 تريليون دولار
- بعد إقرار الموازنة العراقية… هل ينفرط عقد “ائتلاف إدارة الدولة”؟
- هل تتخطى موازنة العراق الأزمات في 2023؟
وأكد أن الآليات والإجراءات وقنوات التدقيق تحمل كلفاً إدارية وزمنية تتناسب مع قواعد حماية المال العام، خشية أن يذهب لمصالح غير قانونية تشكل قنوات أساسية في نهب المال وعمليات غسل الأموال والتذرع بكونه من مصادر رسمية، وعلى هذا الأساس فإن الحوكمة المالية الإلكترونية في إدارة النفقات والإيرادات العامة تعد الوسيلة الرادعة التي يؤدي إحلالها في النشاطات المالية العامة في الصرف والإيراد إلى توليد تناسب عكسي مع حالات الاعتداء أو محاولات غسل المال العام عبر قواعد تنفيذ الموازنة العامة السنوية، منوهاً بأن المعيار العالمي لنسبة الأموال المغسولة يشكل خمسة في المئة من مجموع الناتج المحلي الإجمالي للعالم أي نحو خمسة تريليونات دولار سنوياً، وتأخذ الأموال السوداء طريقها إلى الملاذات الآمنة لتبيضها حول العالم.
ورأى أن لتنفيذ الموازنة العامة في العراق لا بد من إجراءات قانونية ورقابية دقيقة للتصدي لأية شبهات أو مظاهر لغسل الأموال العامة سواء من اعتداء أو تبذير أو تواطؤ في الصرف أو تجنب تحصيل الإيرادات، فالحفاظ الصارم على المال العام يأتي لحماية نسبة على وفق المعيار العالمي لا تقل عن 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العراق وحماية أموال الدولة من الاعتداء، ذلك ما دام معيار الإنفاق في الموازنة العامة السنوية يشكل 50 في المئة من الدخل الوطني السنوي.
فقدان السيولة المالية
لكن المحلل الاقتصادي نبيل التميمي، أشار إلى أن تأخر تنفيذ الموازنة مرتبط بفقدان السيولة المالية للحكومة، عادة ما توفر التحويلات المالية التي يجريها البنك المركزي للعملات تمويل الحكومة وتعزيز رصيد الحكومة بالدينار العراقي.
وتابع أن قلة حجم التحويلات المالية بين الدولار والدينار أدت إلى تحويل بما لا يزيد على 200 مليون دولار يومياً، أي بمقدار أربعة مليارات دولار شهرياً ( 5.25 تريليون دينار) وهذه لا تكفي لتغطي طلبات الموازنة المقرة بمبلغ يقارب 200 تريليون دينار سنوياً.
آثار سلبية في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي
في الأثناء، اعتبر المتخصص المالي بسام رعد بأن جرائم غسل الأموال تؤدي إلى نتائج سلبية على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، إذ تسهم في خلق فجوة اقتصادية واجتماعية بين أفراد المجتمع وزيادة معدلات الفقر ورفع معدلات البطالة، إضافة إلى عرقلة مشاريع التنمية الاقتصادية.
وأضاف “تنشأ جريمة غسل الأموال نتيجة للرغبة في إضفاء صفة المشروعية على الأموال التي نتجت عن الجرائم الأصلية كالرشوة والسرقات وتجارة الممنوعات… إلخ، ومن ثم القيام بعملية إدخال هذه الأموال في الدائرة الاقتصادية في صورة أموال نظيفة، وتحدث من خلال ثلاث مراحل هي الإيداع والتمويه والدمج”.
وشدد على أن عمليات غسل الأموال لها مردود مدمر على الاقتصاد والمجتمع وتفشي هذه الجرائم المالية من شأنه المساهمة بعجز الدولة عن تنفيذ خططها الاقتصادية، وذلك لأن هناك أموالاً كثيرة تعمل خارج نطاق الاقتصاد الرسمي وبعيداً من الرقابة المحلية ومن ثم تعمل على تقليل قدرة السلطات المختصة على تنفيذ السياسات الاقتصادية بصورة فعالة، إضافة إلى تقويض استقرار سوق الصرف نتيجة للتقلبات الكبيرة التي تنشأ عن حركة وتدفق هذه الأموال.
ودعا رعد إلى تعزيز التزام القطاع المالي قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (39) لسنة 2019 الذي سيسهم في استقرار النظام المالي في البلاد.