كتب / د. جواد الهنداوي
لم تسلمْ دول المغرب العربي ( الجزائر و تونس ) من تداعيات اصابة المملكة المغربية بداء التطبيع مع العدو الصهيوني والكيان المغتصب .
ولم نُفاجئ بما آل اليه حال العلاقات بين المغرب و الجزائر وبين المغرب و تونس ، فطالع الشؤم والسوء و التفرقة يحلُّ اينما حلّتْ و امتدت اليد الصهيونية ، فالشرق العربي عاش و يعيش ، ومنذ عام ١٩٤٨ ، في حروب ونزاعات وخلاف ، وانعدام للامن وللاستقرار ، وبسبب الدّاء الاسرائيلي في المنطقة .
هدف اسرائيل هو جعل الدول المحيطة ( دول الطوق الاول ) ، وكذلك دول الطوق الثاني دول ضعيفة و فاشلة ،ضمن استراتيجية توسّعها و هيمنتها . ومن بين وسائلها زرع الفتن و الخلافات في داخل كل بلد وبين البلدان .
رغم تأكيد المملكة المغربية بانَّ التطبيع الرسمي مع الكيان المحُتل لا يؤثر على سياسة المملكة الخارجية ،و يصّبُ في صالح القضية الفلسطينيّة .و ما تتبناه المملكة من خطاب لتبرير التطبيع هو ذات الخطاب الذي تبناه الرئيس المصري الراحل انور السادات عند زيارته تل ابيب عام في عام ١٩٧٧، و هو ذات الخطاب الذي تبناه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عند توقيعه اتفاقيات السلام مع اسرائيل ، و التي سُمّيت باتفاقيات اوسلوا . وقد برهّن الزمن على أنَّ التطبيع واتفاقيات السلام ساهما في توسّع اسرائيل وقمع الفلسطينيين و عدم الاعتراف بحقوقهم ، و ساهما في التصفية السياسية للقضية الفلسطينيّة .
علاقات المملكة مع اسرائيل قديمة ،في السّرْ ، وكانت ذات طابع اجتماعي وصبغة يهوديّة وليست صهيونيّة او اسرائيليّة ، اصبحت اليوم ، وبعد التطبيع الرسمي ، علاقة ذات طابع دبلوماسي وسياسي بأمتياز . وتبدوا المملكة وكأنها تتسابق مع الزمن ، من اجل تعميق و توسيع العلاقة لتشمل جوانب اقتصادية و ثقافية و استثمارية وعسكرية و مخابراتيّة ، وليس فقط على الصعيد الجغرافي للملكة ، و انما على صعيد القارة الافريقيّة.
مهّددتْ المملكة استدارتها الرسميّة نحو اسرائيل بمرحلتيّن ،بدايتهما تزامنتا مع وصول الملك محمد السادس الى الحكم ،عام ١٩٩٩، و بعد وفاة والده الحسن الثاني : المرحلة الاولى من حكم الملك محمد السادس تميّزت بتوجهات المملكة سياسياً و اقتصادياً نحو الغرب ، وعدم الاكتراث بقضايا الشرق العربي ، على خلاف والده المرحوم الحسن الثاني ،الذي كان مهتماً بملفات وقضايا الشرق العربي ، وخاصة ملف اسرائيل و فلسطين ، وكذلك بالتطورات الغربية سياسياً و اقتصاديا .
توجّهات الملك محمد السادس نحو الغرب ،جعلتهُ ( واقصد التوجهّات ) يتعايش مع افكار الغرب ، وخاصة فرنسا ، ويتبنى افكار الغرب تجاه السياسة الدولية وملفات الشرق الاوسط ، ومنها ملف فلسطين ، وملف ايران .
المرحلة الثانية من حكم الملك محمد السادس ، والتي تؤشر ، وبقوة استدارة المملكة نحو علاقات سياسيّة و دبلوماسية مع اسرائيل ،بدأت بمجئ السيد ناصر بوريطة ، وزيراً للخارجية في نيسان عام ٢٠١٧ .
أول اجراء سياسي و دبلوماسي ،اتخذهُ السيد الوزير وبعد عام على استيزاره ،هو قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع ايران ، بتاريخ ٢٠١٨/٥/١ ، بتهمة قيام ايران بتزويد السلاح والدعم العسكري الى جبهة البوليساريو ، والتي تطالب باستقلال الصحراء المغربيّة . نفتْ ايران الاتهامات و اعربت عن أسفها لقطع العلاقات الدبلوماسيّة .
كما نفى حزب الله الرواية المغربية بقيام عناصر من الحزب بتدريب مقاتلي جبهة البوليساريو في الجزائر ، وبطلب و بدعم من ايران . وللاشارة وللتوضيح ،دون التفصيل ، من الصعب الاعتقاد بأنَّ الجزائر ،وبما تملكه من سلاح متطور وجيش منظّم ، تضطر ان تطلب من ايران ،الضغط على حزب الله لارسال مدرّبين لتدريب مقاتلي جبهة البوليساريو !
ثاني اجراء سياسي اتخذهُ السيد وزير خارجية المملكة ، لتمهيد الاستدارة السياسيّة و الدبلوماسيّة صوب اسرائيل هو توظيفه لاستراتيجية ألأمن الروحي للمملكة وللشعوب الافريقية ،التي تبنتها المملكة و شرعتها بقانون منذ عام ٢٠١٥، في مهاجمة ايران و التشيّع والربط بينهما ، وذلك في خطاب السيد الوزير ، امام مجلس النواب المغربي بتاريخ ٢٠٢٢/٥/٦ ، حيث قال انَّ ” ايران تحاول الدخول الى غرب افريقيا لنشر المذهب الشيعي ” ، كما ندّدَ في خطابه بسياسة ايران و دعمها للحوثيين .
أقوال صريحة، وذات بعد سياسي و استراتيجي، واضح لمغازلة اسرائيل وطمأنتها على ترسيخ التطبيع المغاربي الاسرائيلي ، وكذلك تهيئة الرأي العام المغربي و الافريقي لموعد قادم وفاعل لعلاقات مغربية اسرائيلية .