فقدان حزب الله للحاضنة اللبنانية والعربية وضعف الموقف الإيراني: ماذا وإلى أين؟

1

حسن فليح /محلل سياسي

شهدت السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظًا في موقف حزب الله على الساحة اللبنانية والإقليمية، مع تراجع شعبيته وفقدانه للحاضنة الداعمة التي لطالما شكّلت القوة الأبرز له. يتزامن هذا التراجع مع ضعف الموقف الإيراني على المستوى الإقليمي والدولي، ما يطرح تساؤلات حول مصير حزب الله ومستقبله السياسي والعسكري، في ظل التحولات الجارية في المنطقة.

أولاً: تآكل الحاضنة اللبنانية

لم يعد حزب الله يمتلك الزخم الشعبي الذي حظي به في فترة ما بعد التحرير عام 2000، أو حتى بعد حرب 2006. الحاضنة اللبنانية للحزب شهدت اهتزازًا كبيرًا بسبب عدة عوامل:

  1. الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان: تورط حزب الله في الحياة السياسية الداخلية ودعمه لحكومة سيطرة الفساد، إلى جانب تصرفه كقوة مسلحة مستقلة عن الدولة، جعله مسؤولاً بشكل مباشر عن جزء من معاناة الشعب اللبناني. هذا الانطباع أدّى إلى تزايد المعارضة له، حتى في الأوساط الشيعية التي كانت تُعتبر قاعدته الأساسية.
  2. دور حزب الله في الحرب السورية: تدخل الحزب في سوريا بجانب النظام السوري لم يحظَ بإجماع لبناني. على العكس، أثار استياء شريحة واسعة من اللبنانيين الذين رأوا أن هذا التدخل أضرّ بمصالح لبنان وأدى إلى زيادة الانقسامات الداخلية. كما تزايدت الضغوط العربية والدولية على لبنان بسبب هذا التدخل، مما جعل حزب الله يُنظر إليه كعائق للاستقرار الداخلي والإقليمي.
  3. الاحتجاجات الشعبية 2019: شهد لبنان مظاهرات شعبية واسعة ضد الفساد والطائفية، حيث كانت شعارات المحتجين تنادي بإسقاط النظام الطائفي بالكامل. وفي هذا السياق، لم يسلم حزب الله من الانتقادات، حيث اُتهم بكونه جزءًا من المنظومة السياسية الفاسدة وبحماية نظام سياسي فاشل.

ثانيًا: فقدان الحاضنة العربية

كان حزب الله في السابق يُعتبر رمزًا للمقاومة ضد إسرائيل ويمتلك دعمًا كبيرًا في العالم العربي، خاصة بعد حرب 2006. إلا أن هذا الوضع تغيّر بشكل ملحوظ:

  1. التدخل الإيراني: أصبحت صورة حزب الله مرتبطة بشكل وثيق بالمشروع الإيراني في المنطقة، خاصة بعد تورطه في عدة نزاعات إقليمية كالحرب السورية واليمنية. هذا التحالف الوثيق مع طهران جعل الحزب يفقد دعمه في الشارع العربي، الذي أصبح ينظر إليه كذراع إيرانية تعمل على تحقيق مصالح طهران على حساب الشعوب العربية.
  2. الموقف الخليجي: مع تزايد التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية، تبنت دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، موقفًا صارمًا تجاه حزب الله. وقد تجلى ذلك في تصنيفه كمنظمة إرهابية من قبل العديد من الدول العربية وفرض عقوبات اقتصادية على الحزب ومؤيديه.

ثالثًا: ضعف الموقف الإيراني

لا يمكن قراءة مستقبل حزب الله دون النظر إلى تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمصير الحزب. إيران تواجه تحديات داخلية وخارجية:

  1. الأزمات الاقتصادية الداخلية: نتيجة للعقوبات الأميركية المفروضة على طهران، بات الاقتصاد الإيراني في حالة تدهور مستمر، مما يؤثر سلبًا على قدرتها في دعم حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله.
  2. تزايد الضغوط الدولية: الملف النووي الإيراني والعقوبات الاقتصادية، بالإضافة إلى التحركات الدبلوماسية الغربية والعربية، زادت من عزلة إيران دوليًا وإقليميًا، ما قلل من قدرتها على فرض إرادتها على حلفائها.
  3. الصراعات الإقليمية: تورط إيران في نزاعات متعددة في المنطقة (سوريا، العراق، اليمن) استنزف قدراتها، وجعلها أقل قدرة على دعم حزب الله كما كانت في السابق.

رابعًا: ماذا بعد؟

في ظل هذه التطورات، يجد حزب الله نفسه أمام مفترق طرق صعب. هناك عدة سيناريوهات محتملة لمستقبله:

  1. التحول نحو الداخل: قد يضطر الحزب إلى التركيز أكثر على الداخل اللبناني ومحاولة إعادة بناء شعبيته، عبر تقليص تدخله في النزاعات الإقليمية والتركيز على ملفات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في لبنان
  2. التكيف مع المتغيرات الإقليمية: قد يضطر الحزب إلى تبني نهج براغماتي في التعامل مع التحولات الجارية في المنطقة، بما في ذلك التفاوض مع القوى الداخلية والخارجية للوصول إلى تسوية سياسية تحافظ على وجوده ودوره في لبنان.

فقدان حزب الله للحاضنة اللبنانية والعربية، وتراجع نفوذ إيران في المنطقة، يمثلان تحديًا كبيرًا للحزب. المستقبل قد يحمل للحزب خيارات صعبة، ما بين التكيف مع المتغيرات الإقليمية أو الاستمرار في مسار التصعيد الذي قد يزيد من عزلة الحزب ويعجل بنهاية دوره الفاعل في لبنان والمنطقة .

التعليقات معطلة.