فنزويلا .. الرابح هو من لا يسمع (صوت الجماهير)

1

 
 
هيثم العايدي
 
في إعلانه تنصيب نفسه رئيسا لفنزويلا بالوكالة، أقسم رئيس الجمعية الوطنية خوان جوايدو على تولي صلاحيات السلطة التنفيذية الوطنية كرئيس للتوصل إلى حكومة انتقالية وإجراء انتخابات حرة، ليجد اعترافا من قبل بعض الدول واعتراض أخرى ممن ترى أن الرئيس نيكولاس مادورو ـ الذي رفض بالطبع هذا الإعلان ـ ما زال هو الرئيس الشرعي وأيضا على وقع انقسام بين الجماهير التي احتشدت بين مؤيد ومعارض لطرفين سيسعى كل منهما لإرضاء جماهيره دون التطرق لجوهر الأزمة.
فوسط ما يقال عن المؤامرة الأميركية على (نظام يسعى للتحرر) أو اختصار الأزمة في كسر من يرونه (واقفا بشجاعة في وجه الاستعمار) فإن ساردي هذه الديباجات يبتعدون عن الإقرار بكارثية الوضع الاقتصادي داخل فنزويلا، والذي يعود جزء كبير منه إلى السياسات الاقتصادية التي اتخذت في السابق أو تلك المتخذة لحل ما آلت إليه الأوضاع.
فمع انخفاض إنتاج وصادرات النفط الذي يشكل 96% من العائدات بات أكبر صادرات فنزويلا يتمثل في ملايين المهاجرين الذين يطمحون للوصول إلى الولايات المتحدة أو على أقل تقدير بلدان أميركا اللاتينية المجاورة كالبرازيل والإكوادر والبيرو وكولومبيا، حيث تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 3,2 مليون فنزويلي غادروا بلادهم خلال السنوات الأخيرة.
وإذا كان الرئيس السابق هوجو تشافيز قد حالفه الحظ مع ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي جعله يغدق العائدات على الشعب دون توظيف هذه العوائد في مشاريع إنتاجية فإن من سوء حظ مادورو أنه جاء في وقت انخفاض أسعار النفط مع تعود الشعب على هذا الإغداق.
ومع عدم وجود إنتاج بالمعنى الحقيقي، إضافة إلى انخفاض مستوى إنتاج النفط من 3.2 مليون برميل قبل عشرة أعوام إلى 1.4 مليون في الوقت الحالي .. وصل الحال بالدولة التي تملك احتياطيا نفطيا يقدر بأكثر من 300 مليار برميل إلى معدل تضخم يصل 1600% عام 2018 وأكثر من مليون% بحسب تقديرات البرلمان الفنزويلي، فيما يتراوح العجز في الناتج المحلي الإجمالي من 18 ـ 20%، كما ارتفع حجم الديون لنحو 120 مليار دولار عام 2017 وتقلص الاقتصاد بنسبة 16.6% بنفس العام، وفقدت العملة خلال 5 أشهر 87 % من قيمتها أمام اليورو.
ومع عدم اللجوء للحلول المتعارف عليها مثل تطبيق خطط لخفض النفقات والمسارعة بمشاريع إنتاجية وجذب استثمارات، كانت مساعي الرئيس مادورو الذي تولى منصب الرئاسة في 2013، إلى كبح جماح الأزمة هي الإعلان المتوالي عن رفع المرتبات والإفراط في طباعة النقود قبل إطلاق عملة جديدة تدعى “البوليفار السيادي” مع حذف خمسة أصفار من العملة السابقة، هذا مع اللجوء أيضا إلى طريقة أخرى تتمثل في العملة الإلكترونية (بترو) التي قيل إنها مدعومة من احتياطات النفط وإنها ستعمل على تفادي العقوبات الأميركية.
وأمام هذا الوضع الاقتصادي الكارثي لا يمكن أن يكون حل الأزمة في تغيير نظام أو انتخابات وحرية تعبير وغيرها من المصطلحات التي يتبارى السياسيون في إصدارها .. بل إن الأولوية لحراك اقتصادي بمؤسسات فاعلة لها القدرة على إدماج الشعب في عملية إنتاج حقيقية، وهو حراك ربما ستكون جماهير كلا الفريقين هي أول من يعارضه.

التعليقات معطلة.