هل سبق أن عرفت بالرابط بين وعيك الذهنيّ وتناول طعامك؟ ففيما ساعدت ممارسة اليقظة الذهنية الناس على تطوير المهارات اللازمة لإدارة الألم المزمن والمرض والاكتئاب ومشاكل النوم والقلق، أصبحت الآن محوراً لنهج جديد في تناول الطعام، يُسمّى بالـ Mindful Eating، أو الأكل بوعي. عمَّ نتحدّث؟ وكيف تؤثر هذه الممارسة على صحتك، وحتى على فقدان وزنك؟
مصطلح “اليقظة الذهنية” Mindfulness، وهو ممارسة تعود إلى البوذية، باتت وسيلة شائعة لتهدئة الذات وتغيير سلوكيات تناول الطعام. وقد عرَّف مطوِّر وقائد برنامج الحدّ من التوتّر القائم على اليقظة الذهنية في كلية الطب في جامعة ماساتشوستس وكاتب كتاب Full Catastrophe Living لتقديم إرشادات حول العيش بوعي، جون كابات زين، مصطلح “اليقظة الذهنية” على أنّه “الانتباه بطريقة معينة، عن قصد، في اللحظة الحالية، ومن دون إصدار أحكام”.
علامَ يقوم الأكل بوعي إذاً؟
اليقظة هي شكل من أشكال التأمل الذي يساعدك على التعرّف إلى مشاعرك وأحاسيسك الجسدية والتعامل معها. وبحسب ورقة بحثية بعنوان: “Mindful Eating The Art of Presence While You Eat”، تقوم فكرة الأكل بوعي، على الانتباه إلى طعامك، لحظة بلحظة، دون إصدار أحكام، ما يزيد من التركيز على وعيك الحسّيّ بالطعام وتجربتك معه. والهدف مساعدتك على الاستمتاع باللحظة والطعام وتشجيعك على الحضور الكامل لتجربة الأكل.
العناصر الأساسية للأكل بوعي هي زيادة الوعي بأوقات الوجبات، أي عدم التسرّع في تناول الوجبة، والانتباه إلى شكل الطعام وطعمه ورائحته وشعوره في فمك، وتبنّي نهج أكثر مرونة وغير حَكمي لتناوله، إذ لا توجد أطعمة “جيدة” أو “سيئة”. فالهدف هو تغيير علاقتك بالطعام لسلوكيات أكثر صحّة بشكل عام.
كيف يعزّز الأكل بوعي اختيار الأطعمة الصحّية وإنقاص الوزن؟
الدكتورة داليا حرب- اختصاصيّة تغذية
التركيز على جودة الطعام يجعل الأكل بوعي الشخص أكثر انتباهاً للنكهة والملمس والرائحة، ما يدفعه إلى اختيار الأطعمة الطبيعية مثل الفواكه والخضروات والبروتينات الصحية بدلاً من الأطعمة المصنَّعة.
كذلك، عند تناول الطعام بوعي، يصبح الشخص أكثر انتباهاً لكيفية تأثير الطعام على شعوره وصحته، ما يشجعه على اختيار أطعمة تمنحه طاقة وراحة. أيضاً، يساعد الأكل بوعي على استجابة احتياجات الجسم الطبيعية، مثل الجوع الحقيقي، ما يعزّز اختيار أطعمة مغذية تشبع وتزوّد الجسم بالطاقة. إلى ذلك، يقلّل الأكل بوعي من تناول الأطعمة غير الصحية الناتجة عن التوتّر أو العواطف، بحيث يتعلّم الشخص التمييز بين الجوع الجسدي والجوع العاطفي. والأهمّ، أنّ الشخص يركّز على الفوائد طويلة الأمد التي تشجّع على التفكير في الأثر الصحّي طويل الأمد للطعام، ما يؤدّي إلى خيارات غذائية صحية.
ويُنصح بالأكل بوعي نظراً إلى فوائده العديدة ومنها:
– تعزيز عملية الهضم من خلال تناول الطعام ببطء ومضغه جيداً، وتقليل مشاكل الانتفاخ وعسر الهضم.
– التمييز بين الجوع الجسدي والعاطفي.
– تنظيم الشهية، من خلال التعرّف إلى إشارات الجسم المتعلّقة بالجوع والشبع، ما يقلّل من فرص الإفراط في الطعام.
– المساعدة في إدارة الوزن، فلدى الانتباه إلى كمية الطعام المتناوَلة والتوقّف عند الشعور بالامتلاء، يمكن تجنّب استهلاك السعرات الحرارية الزائدة، الأمر الذي يسهم في الحفاظ على الوزن أو فقدانه بطريقة صحّية.
– التحكّم بالأكل العاطفي المرتبط بالتوتّر والقلق.
– يؤدّي إلى تناول كميات أقلّ من الطعام.
– يساهم باستمتاع الفرد بالطعام ونكهاته وقيمته بشكل أكبر، ما يجعله مكتفياً بكمية طعام أقلّ.
– يجعل الشخص أكثر ميلاً لاختيار الأطعمة الصحّية.
لمَ عليك تجربة الأكل بوعي؟
حوّلت أجهزة التلفزيون والكمبيوتر والهواتف الذكية الانتباه بعيداً عن الهدف الفعلي للأكل، وأصبح من دون معنى، وغالباً ما يتمّ بالسرعة. هنا، قد لا تصل إشارة الامتلاء حتى تكون قد أكلت كثيراً. وعبر الأكل بوعي، تستعيد انتباهك وتبطئ عملية الأكل، ما يجعل الأكل فعلاً مقصوداً بدلاً من أن يكون فعلاً تلقائياً. وعبر زيادة إدراكك للجوع الجسدي وإشارات الامتلاء، يمكنك التمييز بين الجوع الجسدي العاطفي والجوع الجسدي الحقيقي.
ما الرابط بين صحّتك العقليّة والأكل بوعي؟
ترتبط الصحة العقلية والأكل بوعي ارتباطاً وثيقاً. ويفيد الأكل بوعي الصحة العقلية من خلال تشجيع الأفراد على التواجد في اللحظة والتباطؤ، ويساعدهم في تعطيل أنماط الأكل غير الصحية. وتظهر هذه الممارسة كوسيلة فاعلة للحدّ من التوتر، بتحفيزه استجابة الاسترخاء، وتعزيز الشعور بالهدوء الذي يمتدّ إلى ما هو أبعد من طاولة الطعام ويصل إلى حياتنا اليومية.
ويساهم الأكل بوعي في تنمية علاقة مثالية ومستدامة مع الطعام قد تؤثر على احترام الذات، وصورة الجسم، والرفاهية العقلية.
وقد أشارت نتائج دراسة بعنوان ” An Eight-Week Mindful Eating Program Applied in a Mediterranean Population With Overweight or Obesity: The EATT Intervention Study”، إلى أنّ اليقظة زادت بشكل ملحوظ، في حين انخفضت أعراض القلق، مع تقليل أعراض الإفراط في تناول الطعام.
كيف تمارس الأكل بوعي؟
– تناول الطعام ببطء.
– استمع إلى إشارات الجوع الجسدية.
– توقّف عن الأكل عندما تشعر بالشبع.
– لاحظ تأثيرات الطعام على مشاعرك وجسدك.
– تناول الطعام بصمت.
– امضغ جيداً.
– تخلّص من عوامل التشتيت خلال الأكل مثل وضع هاتفك جانباً.
– أشرك حواسك عبر ملاحظة الألوان والروائح والأصوات والملمس والنكهات.
– اسأل نفسك عن سبب تناولك للطعام، وما إذا كنت جائعاً حقاً، وما إذا كان الطعام الذي اخترته مغذياً.