بداية الأزمة
في أحد أيام الثلاثاء منذ عام مضى، أعلن تحالف يضم عددًا من الدول العربية تقوده السعودية فرض حصار بري وبحري وجوي على دولة قطر، في محاولة لإجبار الدوحة على الالتزام بقائمة من المطالب التي طالبوا بها، والتي تضم مزاعم بدعم قطر لمجموعات إرهابية متطرفة في الشرق الأوسط، وتحديدًا في الدول التي فرضت الحصار، وهي البحرين ومصر والإمارات والسعودية، وهي الدول الأربعة المعادية لقطر منذ ذلك الوقت.
خريطة الدول الداعمة لدول الحصار ولقطر
بحسب المقال، تلقت دول الحصار دفعة قوية بعد يوم واحد من إعلانه من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي صرح عبر تغريدة على موقع تويتر بأنه يدعم موقف السعودية وعن سعادته بقرار الدول التي أعلنت مقاطعة قطر، وأنه يقف ضد تمويل التطرف والإرهاب، في إشارة إلى قطر، مضيفًا أن تلك ربما تكون بداية النهاية للإرهاب. الآن، وبعد مضي عام كامل على بداية الحصار، لم تتمكن قطر من تجاوز ذلك الإعصار فحسب، بل خرجت منه باعتبارها الفائز الأكبر في ذلك النزاع.
ويرى الكاتب أن دول الحصار فشلت في مهتمها في إجبار قطر على قبول مطالبها الـ13، والتي تضمنت إغلاق قناة الجزيرة، ووسائل الإعلام الأخرى التي تمولها الدوحة، وإيقاف دعم جميع الجماعات الإسلامية في المنطقة السنية والشيعية منها. اتُهِمت قطر أيضًا بدعم جماعة الحوثيين، إحدى المجموعات اليمنية المشاركة في الحرب، والتي حاربتها الدوحة من قبل.
مطالب غير واقعية
يضيف الكاتب إن المطالب التي وضعتها دول الحصار تم اختيارها بحيث يكون من الصعب على الدوحة قبولها بشكل فوري، في حين صرح عدد من المسئولين الخليجيين البارزين بشكل واضح أن المعسكر السعودي ليس مقتنعًا بأن قطر سوف تغير من اتجاهاتها، حتى وإن تفاعلت مع مطالب دول الحصار. يعني ذلك أن الهدف الحقيقي لدول الحصار هو جعل قطر دولة تابعة غير قادرة على امتلاك سياسة خارجية مستقلة. ولتحقيق ذلك، بذل المعسكر السعودي جهودًا ضخمة على مستوى العلاقات مع الدولة الغربية لزيادة الضغط الدبلوماسي على قطر، وقلب الرأي العام ضدها.
أمير قطر في محادثات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
ومع ذلك، وبرغم كل تلك التدابير التي اتخذتها دول الحصار، جاءت الأمور في النهاية لتصب في مصلحة قطر، بحسب المقال. ولعل أوضح دلالة على ذلك الأمر هو سلسلة الملاحظات التي أدلى بها ترامب في لقائه مع أمير دولة قطر، الأمير تميم بن حمد آل ثاني في أبريل (نيسان) الماضي، والتي هاجم ترامب خلالها السعودية، مشيرًا إلى علاقتها بتمويل الإرهاب، كما مدح التقدم القطري في هذا الملف. يرى الكاتب أيضًا أن دول الحصار فشلت في إقناع الإعلام والسياسيين في الغرب بأن هناك مشكلة حقيقية لدى قطر يجب أن تقوم بحلها، بل كانت النتيجة عكسية أيضًا.
السبب الأساسي وراء ذلك هو فشل الدول الأربع في توقع قيام قطر بحملة إعلامية منظمة وناجحة في الغرب ردًا على حملتهم. ذكرت أحد المصادر الخليجية المطلعة أن جهود قطر الإعلامية خارجيًا تكلفت قرابة 1.5 مليار دولار منذ بداية الأزمة. في المقابل، تشير التوقعات إلى أن ما تنفقه السعودية قريب من هذا الرقم أيضًا. وبخلاف الدول الأخرى التي كانت تمارس الضغط على قطر حتى قبل الأزمة مثل الإمارات، من المعروف أن السعودية وقطر قد رفعتا من قوة حملاتهما الخارجية قبل الأزمة وخلالها، إذ استهدف كلاهما منصات إعلامية كبرى مثل سي إن إن.
كيف انتصرت قطر؟
يقول الكاتب كانت نتيجة ذلك إن مجموعة الأربعة كانت أكثر من تضرر من تلك الحملة وليس قطر، وأن جهود السعودية القوية والمستمرة لاتهام قطر بدعم الإرهاب في سوريا وليبيا لم تلق صدى واسعًا من الأطراف المتابعة للأزمة، في حين نجحت قطر في درأ تلك المزاعم، وإظهارها باعتبارها اتهامات كيدية من الجانب السعودي.
الأمر الأكثر أهمية، أن تلك الأزمة تزامنت مع تطورين سياسيين هامين في صالح صورة قطر، التطور الأول كان تراجع علاقة قطر ببعض الجماعات المتطرفة في سوريا، نتيجة لأسباب لا علاقة لها بالحصار، إذ إنه مع تزايد سيطرة الحكومة السورية على الأرض في الحرب السورية، أصبح حافز الدوحة في دعم مجموعات معارضة مثل أحرار الشام في الشمال السوري أقل بكثير. في غضون ذلك، أصبحت تركيا هي الراعي الرسمي لتلك المجموعات المعارضة، وهو ما حسن من صورة الدوحة في الغرب.
صعود نجم محمد بن سلمان على الساحة السياسية السعودية
التطور الثاني والذي حدث على التوازي أيضًا كان صعود نجم محمد بن سلمان في السعودية، والذي أصبح وليًا للعهد في السعودية بعد أقل من ثلاثة أسابيع من أزمة قطر. فمن جهته، تمكن ابن سلمان من استغلال الأزمة لكسب التأييد والدعم الداخلي، وتوجيه ذلك الدعم نحو أعداء البلاد في الخارج. في المقابل، سرعان ما وجه المدافعون عن ابن سلمان الهجوم على المعارضين واصفين إياهم بأنهم عملاء لقطر، وهو ما كان مفهومًا بشكل ما بالنسبة للمواطنين السعوديين.
في المقابل، يرى الكاتب أن السياسة الخارجين لمحمد بن سلمان شوهت التصور الدولي للسياسة السعودية، وهو ما صب بشكل مباشر في مصلحة قطر، حيث كان النقد الموجه لولي العهد السعودي دائمًا ما يطغى على القضايا الإقليمية الأخرى، إذ وجه الغرب اللوم لابن سلمان فيما يتعلق بحرب اليمن، والتي اندلعت بعد تعيينه وزيرًا للدفاع في يناير (كانون الثاني) من عام 2015 بشهرين. قطر -على الجانب الآخر- والتي طُرِدت من التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية، بدأت تسوق من نفسها باعتبارها داعمةً للقضايا العربية والإسلامية، بدلًا من السعي لتحقيق مكاسب جيوسياسية عبر تدبير المكائد في المنطقة.