على رغم تقدم قوى “الإطار التنسيقي” للكتل الشيعية في النتائج النهائية إلا أنها تراجعت في بغداد والبصرة وكركوك
أظهرت النتائج تراجعاً واضحاً لقوى الإطار التنسيقي في محافظات شيعية عدة (أ ف ب)
بعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية في العراق والتي حصلت فيها قوى “الإطار التنسيقي للكتل الشيعية”، الحليف الأكبر لإيران، على العدد الأكبر من الأصوات، تتزايد التساؤلات في شأن إمكان أن توسع تلك النتائج من سطوة حلفاء طهران على معظم محافظات البلاد.
وعلى رغم فوز قوى “الإطار التنسيقي” في كثير من المحافظات، إلا أنها أظهرت تراجعاً واضحاً في محافظات شيعية عدة أبرزها البصرة وواسط وكربلاء، فضلاً عن تصدر كتلة “تقدم” التي يتزعمها رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي في بغداد، والذي مثّل ضربة كبرى لحلفاء إيران.
وبحسب المفوضية العليا للانتخابات في العراق فقد شارك نحو 6 ملايين ناخب في الإدلاء بأصواتهم، وقالت إن نسبة المشاركة بلغت 41 في المئة من أصل من حدثوا بطاقاتهم الانتخابية، في حين يحق لأكثر من 23 مليون عراقي المشاركة في التصويت، لكن كثيراً منهم لم يحدثوا بياناتهم الانتخابية.
خيبة أمل
فوز قوى “الإطار التنسيقي” في كثير من المحافظات الشيعية وسط وجنوب العراق لم يمكنها من إحكام سطوتها بصورة كاملة عليها، أما في الأجواء السنيّة فلم تتمكن قوى الإطار من السيطرة سواء بصورة مباشرة أو من خلال كتل سنيّة مقربة من حلفاء طهران.
وحسم رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي سيطرته على منصب محافظ الأنبار، إذ حصلت القوائم التي يتزعمها في المحافظة على 11 مقعداً من أصل 16، أما في البصرة فأحرزت قائمة محافظها الحالي أسعد العيداني أكثر من نصف مقاعد مجلس المحافظة، في حين سجلت قوائم واسط وكربلاء نتائج كبيرة ربما تمكنهم من الحفاظ على مناصبهم.
وفي كركوك، شمال العراق، أفرزت نتائج الانتخابات حصول الأحزاب الكردية على نصف مقاعد مجلس المحافظة في مقابل الكتل العربية، ويرى السياسي العراقي المعارض انتفاض قنبر أن نتائج الانتخابات الأخيرة “جاءت مخيبة لحلفاء إيران على رغم فوزهم في معظم المحافظات الشيعية”، مبيناً أن هذا الفوز يعد “فارغاً مع خسارتهم في بغداد أمام حزب ’تقدم‘”.
وأضاف قنبر أن ما يدلل على فشل حلفاء إيران في الانتخابات المحلية هو “الإقبال الضئيل من الشارع الشيعي”.
ويمثل فوز كتلة “تقدم” التي يتزعمها رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي في بغداد على حلفاء طهران “مؤشراً واضحاً على فشل المشروع الإيراني”، كما يعبر قنبر الذي يلفت إلى أن هذا الأمر يكشف بصورة واضحة “تأثير غياب الصدر عن المشهد الشيعي في البلاد”.
ولعل ما يمثل الضربة الأكبر لحلفاء طهران خلال الانتخابات المحلية الأخيرة بحسب قنبّر “عدم قدرتهم على دفع المجتمع الشيعي إلى التصويت لهم على رغم امتلاكهم السلطة والمال والسلاح”، مبيناً أن نسب الاشتراك في الانتخابات الأخيرة “لم تتجاوز حدود الـ 10 في المئة داخل المحافظات الشيعية”.
ويشير قنبر إلى أن ما يعزز فكرة إخفاق حلفاء إيران من تعزيز سطوتهم من خلال الانتخابات المحلية هو “الخسارة الرمزية في بغداد التي تعد مركز القرار والسلطة، فضلاً عن خسارتهم في البصرة وكركوك”.
ويختم أن حلفاء طهران أرادوا إقامة الانتخابات المحلية في مسعى منهم إلى “تغطية إخفاقهم في الانتخابات البرلمانية عام 2021″، مردفاً أن هذا المسعى “لم يتحقق مع عدم تمكنهم من دفع العراقيين إلى التصويت لهم”.
خلافات داخلية
ومع تغلب كتل “الإطار التنسيقي” في معظم المحافظات الشيعية إلا أن تلك المحافظات ربما تشهد صراعاً محتدماً بين الأطراف المختلفة التي لم تحقق أي منها فوزاً صريحاً، لتحديد مناصب المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات، وهو ما يراه مراقبون محفزاً إضافياً للانشقاقات في أجواء القوى المقربة من إيران.
ويعتقد رئيس منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة “غالوب الدولية” منقذ داغر أن “نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة ستعزز سطوة الإطار التنسيقي وبقية الأحزاب الحاكمة على مؤسسات الدولة”.
اقرأ المزيد
- القوى الحليفة لإيران تتصدر انتخابات مجلس المحافظات في العراق
- غياب التيار الصدري يشعل معركة الانتخابات المحلية العراقية
- 41 في المئة من الناخبين العراقيين شاركوا في استحقاق مجالس المحافظات
وأضاف داغر أنه على رغم ما حصلت عليه قوى “الإطار التنسيقي” من مقاعد تعزز هيمنتها على الدولة إلا أن عدداً من الإشكالات ستبدأ في الظهور خلال الفترة المقبلة، لعل أبرزها “ما يتعلق باحتمال أن يحفز اختيار المحافظين الجدد، وتحديداً في البصرة وبغداد، خلافات واسعة بين كتل ’الإطار التنسيقي‘”.
ويبدو أن الخريطة السياسية في المدن السنيّة ليست مختلفة بصورة كبيرة، حيث يرى داغر أن معظم القوى السياسية الفاعلة “مرتبطة بصورة أو بأخرى بإيران، وعلى رغم وجود امتدادات مختلفة من ميل الكتل السنيّة باتجاه صانعي القرار في طهران، إلا أنها بحاجة إلى مباركة إيران للحصول على مكاسب سياسية”.
ولفت داغر إلى أن الكتل السنيّة في مجالس المحافظات ستحاول “استثمار الورقة الإيرانية للحصول على مكاسب”، مبيناً أن تلك الكتل باتت تدرك أن “غياب المباركة الإيرانية يجعل مقاعدها بلا أهمية، وأن العبرة في تحالفات ما بعد الانتخابات والتي تعتمد بالدرجة الأساس على رضا طهران”.
مقاطعة الصدر
وجاءت الانتخابات المحلية الأخيرة في ظل مقاطعة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، أحد أكبر التكتلات السياسية الشيعية، مما أفسح المجال أمام حلفاء طهران لتعزيز حضورهم بصورة أوسع في المجالس المحلية.
ويرى المتخصص في العلوم السياسية ياسين البكري أن الانتخابات المحلية الأخيرة مثلت “نقطة تحول كبيرة في نفوذ الإطار التنسيقي من خلال ملء تلك الأطراف للفراغ الذي خلفته عزلة التيار الصدري عن العمل السياسي”.
وأضاف البكري أن قوى “الإطار التنسيقي” استثمرت غياب التيار الصدري “بأكمل صورة”، من خلال استكمال السيطرة على “الثلث الثالث من مساحات السلطات التنفيذية التشريعية المحلية”.
ويبدو أن استكمال استحواذ حلفاء طهران على مساحات إضافية داخل السلطة، كما يعبر البكري، سيمكنهم من “تثبيت سلطتهم بصورة أكبر مع غياب أي قوى فاعلة تحد من هذا التضخم”.
ولا تتوقف حدود نفوذ حلفاء طهران في الانتخابات المحلية الأخيرة عند مساحة التنافس في المحافظات الشيعية، إذ يرى البكري أن “حصول ’الإطار التنسيقي‘ على مقاعد في المحافظات السنيّة وإن كانت قليلة، ستمنحه شرعية الحضور، فضلاً عن حضور القوة كأمر واقع، وسيمكنه من تعزيز موقف القوى السنيّة الموالية له على حساب كتلتي ’تقدم‘ و ’السيادة‘”.
أما الباحث في الشأن السياسي حميد حبيب فيرى أن “مقاطعة التيار الصدري للانتخابات المحلية الأخيرة سمحت للتيارات الموالية لإيران بالتمدد بصورة أكبر، وبسط نفوذها السياسي على مساحات واسعة في البلاد من دون أي مزاحمة”.
ويتابع حبيب أن “نتائج الانتخابات بينت سيطرة قوى الإطار الشيعي على مجالس المحافظات، وعلى رغم نزولها بقوائم حزبية منفردة إلا أنها توحدت بعد الانتخابات لقطع الطريق على بقية الأحزاب والقوى الليبرالية أو المحلية.
وعلى رغم السطوة الكبيرة لقوى ’الإطار التنسيقي‘ التي عززتها الانتخابات المحلية الأخيرة إلا أنها لم تتمكن من الفوز في كل المحافظات الشيعية مع مقاطعة الصدر لها”، كما يعبر حبيب الذي يشير إلى أن هذا الأمر يمثل “مقياساً للمزاج الشعبي تجاهها”.
ويعتقد حبيب أن سطوة حلفاء إيران لم تتوقف عند حدود المحافظات ذات الغالبية الشيعية، “إذ أثر عزل رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي في نتائجه داخل المحافظات السنيّة، والتي ستدفعه في النهاية إلى التوافق مع احزاب أخرى للحصول على مناصب المحافظين”.
تعزيز المركزية
في المقابل يعتقد المتخصص في العلوم السياسية هيثم الهيتي أن “الإطار التنسيقي” مستمر في التحوّل إلى “منهج مركزي لتفكيك أية قوى خارج إرادة سلطته”، مبيناً أن “نتائج الانتخابات الأخيرة مثلت دافعاً إضافياً لتعزيز مركزية حلفاء طهران”.
وأضاف الهيتي أن “قوى ’الإطار التنسيقي‘ المختلفة مستمرة في تعزيز مركزيتها على حساب بقية القوى السياسية، مستثمرة غياب الصدر واستحواذها على مقاعد في معظم المحافظات العراقية”.
ويتابع أن “غياب ’التيار الصدري‘ عن المشهد السياسي مكن حلفاء طهران من توسيع نفوذهم بصورة أكبر، إضافة إلى استفادة تلك الأطراف من إزاحة الحلبوسي من منصبه على رغم كونه ليس طرفاً مناهضاً لهم، إلا أن تحييده سيمكن الإطار من الحصول على مكاسب أكبر في المحافظات الغربية”.