أسرار جوهر حيات
لا يحتاج المرء إلى كثير من التدقيق ليدرك أن سوق التوصيل في الكويت خرج عن السيطرة. فالحرب المستعرة بين تطبيقات التوصيل لم تعد منافسة صحية تدفع نحو خدمة أفضل، بل تحولت إلى ابتزاز مقنّن ينهك المطاعم ويستنزف المستهلكين.
المشكلة الأكبر أن هذه الحرب تدور في سوق بلا تقنين. فبعد أن أفرغ حكم المحكمة الدستورية قانون حماية المنافسة من مضمونه، وألغى مواد العقوبات والغرامات، وجدت التطبيقات نفسها مطلقة اليد، تفرض الرسوم التي تشاء، وتحدد شروطها كما تشاء، بينما لا يجد الطرف الأضعف – المطاعم – سوى الانصياع.
أحد أصحاب المطاعم حكى لي بمرارة: «جرّبنا أن نستبدل تطبيقًا بآخر، لكن النتيجة واحدة. عمولات تصل إلى ما يقارب ثلث قيمة الطلب. نحن بالكاد نغطي التكاليف، ولا نستطيع المقاومة. لقد أصبحنا أسرى التطبيقات بدل أن تكون شريكًا لنا».
وهنا يتبادر السؤال البديهي: لماذا لا تتدخل وزارة التجارة في الكويت كما فعلت قطر، حيث حدّدت وزارة التجارة هناك سقفًا لا يتجاوز %19 كحد أقصى لرسوم التوصيل؟ أليست حماية السوق والمستهلك أولوية؟
الحقيقة أن الخاسر لا يقتصر على المطاعم. المستهلك أيضًا يدفع الثمن. فالوجبة التي قد تكلفه خمسة دنانير في المطعم، يقفز سعرها احيانا عبر التطبيق إلى سبعة وربما ثمانية دنانير، والسبب ببساطة أن المطعم يحمّل كلفة العمولة على الفاتورة أو يضطر المطعم الى رفع أسعاره بالمجمل ليغطي التكاليف الكبيرة للتطبيقات.
ما يحدث اليوم هو نموذج صارخ على ما يمكن تسميته برأسمالية بلا ضوابط. شركات التوصيل تسعى للربح بأي ثمن، والمطاعم تتألم في صمت، والمستهلك يكتوي بالأسعار، والجهة الوحيدة الغائبة عن المشهد هي الجهة الرقابية.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في هذه الفوضى. إن لم تتحرك الجهات المعنية وتضع سقفًا واضحًا للرسوم، وتعيد لقانون المنافسة أنيابه، فسنستيقظ يومًا على سوق محتكر تسيطر عليه شركتان أو ثلاث، تفرض ما تشاء على الجميع. وحينها، لن يبقى أمام المطاعم الصغيرة سوى الانسحاب، ولن يبقى أمام المستهلك سوى الدفع بمرارة.
أسرار جوهر حيات
https://alqabas.com/article/5953896 :إقرأ المزيد