المصدر: النهار العربي
أسعد عبود
غيرت فيلدرز. أ ف ب
شكّل فوز حزب الحرّية اليميني المتطرّف بزعامة غيرت فيلدرز في هولندا الأسبوع الماضي، تأكيداً لتنامي التيار الشعبوي في أوروبا، حيث بدأ يؤثر فعلاً على المشهد السياسي في دول يمسك فيها بمقاليد السلطة، مثل إيطاليا وسلوفاكيا والمجر، بينما يحقّق مكاسب كبيرة في فرنسا وألمانيا. تصدّر حزب الحرّية نتائج الانتخابات التشريعية بحصوله على 37 مقعداً في مجلس النواب المؤلف من 150 مقعداً، ليضاعف بذلك عدد المقاعد التي كان حصل عليها في الانتخابات السابقة. وبذلك من الممكن أن يتولّى فيلدرز مباشرة تشكيل الحكومة المقبلة، أو أن يكون الشريك الرئيسي في أي حكومة ائتلافية ستولد بعد مفاوضات شاقة بين مختلف الأحزاب. آخر حكومة كانت برئاسة مارك روته تمّ تشكيلها بعد 270 يوماً من المشاورات.وينتمي روته إلى حزب الشعب من أجل الحرّية والديموقراطية المحسوب على يمين-الوسط الذي حصل فقط على 24 مقعداً في نتيجة مخيّبة للآمال. يُطلق على فيلدرز “ترامب هولندا” نسبة إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتُعرف عنه مواقفه المعادية للإسلام وللمهاجرين، وللإتحاد الأوروبي على حدّ سواء، وفي صلب برنامجه الانتخابي، كان وعد بإجراء استفتاء حول خروج هولندا من التكتل الأوروبي. وهذا أمر لا تنظر إليه بروكسل بعين الارتياح، لأنّ تكرار تجربة بريطانيا “بريكست” ستشكّل تحدّياً أكبر هذه المرّة. ولهذه الاعتبارات، لن تكون مهمّة فيلدرز سهلة في العثور على شركاء لتأمين 76 مقعداً ضرورياً لتشكيل الحكومة. فقد استبعد زعيم تحالف اليسار-البيئيين فرانس تيمرمانز، الذي حلّ في المرتبة الثانية بحصوله على 25 مقعداً، فكرة الانضمام إلى ائتلاف يقوده فيلدرز، قائلاً إنّ واجبهم الآن “الدفاع عن الديموقراطية” في هذا البلد. وبدوره، قال السياسي الشعبوي المناهض للفساد بيتر أومتسيغت، الذي حصل حزب “العقد الاجتماعي الجديد” بزعامته على 20 مقعداً، إنّه “منفتح” على محادثات، معترفاً في الوقت نفسه بأنّها لن تكون سهلة. وإدراكاً منه لهذه العقبات، سعى فيلدرز في الآونة الأخيرة إلى تحسين صورته لدى الرأي العام في الداخل والخارج، من خلال إعادة تظهير بعض مواقفه. وأكّد أنّ هناك مشاكل أكثر إلحاحاً من خفض عدد طالبي اللجوء، كما خفّف من حدّة بعض مواقفه المعادية للإسلام، مؤكّداً أنّه في حال فوزه سيكون “رئيساً للوزراء لكلّ شخص في هولندا، بصرف النظر عن الدين أو الأصل أو الجنس أو أيّ شيء آخر”. لكن هذا لا يخفف من هواجس الكثير من الهولنديين الذين ينظرون إلى أنّ النتيجة التي حصل عليها حزب الحرّية، ستشكّل أرضاً خصبة لنمو الشعبوية اليمينية المتطرّفة. وكثير من الأحزاب التي خاضت الانتخابات على أساس الحدّ من تدفق المهاجرين، صبّت في مصلحة فيلدرز، الذي يربط الجريمة ومشاكل الإسكان بالمهاجرين. وحتى حكومة مارك روته التي أمضت 13 عاماً متواصلة في السلطة، سقطت بسبب الخلاف على السياسة التي يتعيّن اتباعها حيال الهجرة. ومن المفارقات التي تعصف بالحياة السياسية الهولندية، أنّ روته كان رشّح ديلان يسيلغوز-زيغيريوس لتخلفه في رئاسة الوزراء، لو حصل حزب الشعب من أجل الحرّية والديموقراطية على المركز الأول في الانتخابات. لكن هذه المرأة المولودة في تركيا، والتي وصلت إلى هولندا في سن الثامنة مع والدها كطالبة لجوء، تتبنّى الآن موقفاً متشدّداً حيال المهاجرين، وهي السياسية الوحيدة التي لم تستبعد المشاركة في ائتلاف مع فيلدرز. الموقف المتطرّف لفيلدرز من المهاجرين، يتبنّى إلى جانبه سياسات شعبوية تتعلق بالعناية الصحية ورواتب التقاعد والحدّ الأدنى للأجور والإسكان.والأنظار تتجّه الآن إلى انتخابات البرلمان الأوروبي بعد 7 أشهر. فهل سيُترجم صعود اليمين الشعبوي نفسه في اكتساح لتلك الانتخابات وقلب المشهد السياسي في القارة بكاملها رأساً على عقب؟