مقالات

في الإصحاح التنموي

 
 
عادل سعد
 
تشغلني كثيرا هذه الأيام موضوعة الإصحاح الاقتصادي عربيا، أو قل الإصحاح التنموي، لضرورته الآن أكثر من أي وقت مضى في ظل تداعيات عديدة، بعضها الانكشاف الاقتصادي، أو الركود والتذبذب أو التجريب المتكرر، أو معوقات وتلكؤ، أو كوارث طبيعة أو سوء تقدير في التخطيط من خلال الخلط التعسفي بين التخطيط قصير المدى والتخطيط طويل الأجل، وكذلك نقص الكلف، أو التورط في متوالية الاستدانة وما يترتب عليها من فوائد باهظة، خصوصا إذا كانت هناك إعادة جدولة للديون عندما لا تتوافر فرص تسديدها ضمن مواعيد استحقاقها لصالح الدائنين ما يدفع إلى تراكم العجز في موازين المدفوعات، أو التخادم بين تلك الظواهر السالبة والفساد الذي غالبا ما يكون الحاضنة (المتميزة) لها.
لقد استغرقتنا الدعوات إلى الصحوات الأمنية والسياسية في عدة بلدان عربية على ما فيها من استحقاقات ملزمة، فقد سحبت الرأي العام بشقيه الحكومي والأهلي إلى حيزها، في حين لا يمكن أن يكتمل تحقيقها إلا إذا ترافقت توقيتاتها مع إصحاح اقتصادي جاد يغطي الحاجات الأساسية للمواطنين.
إن الإصحاح الاقتصادي في بعض البلدان العربية يتطلب مرافقة حثيثة (كتف إلى كتف) مع الصحوات الأمنية والسياسية، وليس أن يدخل الانتظار؛ لأن النفوس تنتعش أصلا بالتعويض المعيشي الموقعي الذي لا بد أن يكون قد تناقص بسبب إجراءات الردع وما تحتم من استنفار لصالح ضبط العمليات الأمنية.
في الشأن الموازي إلى ذلك، هناك إصحاح اقتصادي بات هو الآخر ضرورة لا مناص منها إذا أخذنا بحقيقة التوترات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة وما تستدعي من إجراءات تحسبية لمواجهة احتمالات أغلبها قاسٍ. من جهة أخرى، وفي كل الأحوال أن السياسات الإرضائية الآنية لا يمكن أن تتلاءم مع الإصحاح التنموي الذي يقوم على تفعيل المتطلبات الآنية والمتطلبات بعيدة المدى في قران متوازن بين التوجهين.
إن الانحياز الإجرائي إلى السياسات الإرضائية الآنية يؤدي حتما إلى الانكشاف الاقتصادي، وهكذا تتوالد الأزمات ويتم اللجوء إلى المسكنات العلاجية غير المجدية كما هو الحال في بعض الإجراءات العراقية، وما جرى أحيانا في لبنان والجزائر وتونس والمغرب ومصر تحت حالة الاضطرار ليس إلا.
إن الانخراط في السياسات الإرضائية هي الآن واحدة من العيوب المؤلمة، خصوصا إذا قامت على زيادة المرتبات المالية للعاملين في القطاعات الحكومية والمؤسسات التشغيلية بعيدا عن القيمة المتاحة للاقتصاد، لأن من شأن ذلك إخضاع البنية الاقتصادية لسياقات استثنائية، في حين أن جوهر التنمية ينبغي أن يرتكز على السياقات التدريجية المتوازنة، وفي كل الاعتبارات يظل الإصحاح الاقتصادي ناقصا إذا لم يترافق مع الإصحاح الاقتصادي على صعيد المواطنين كأفراد، أي إعادة النظر في استهلاكاتهم، أي عليهم الاطمئنان أن الأسواق لا تغلق أبوابها!!