في الحاجة الى امرأة على رأس الحكومة المغربية

1

جمال أكاديري
مع البلبلة السياسية والتراشق العدائي الدائم بين أقطاب دكاكين الاحزاب المغربية، التي دامت مدة قصيرة بعد الزلزال السياسي الذي عرفه المغرب ، والذي كانت نتائجه اعفاءات بالجملة لمسؤولين متحزبين؛ ألا يتعين الذهاب بعيدا والقيام بشكل راديكالي صادم ، بالانحلال من واجب التشبث بطقس احترام المنهجية الديمقراطية ، و التخلص ولو مرحليا ، من لزومية المبدأ الضمني الذي ينص:
“على أحقية كل من يتصدر نتائج الانتخابات ، أن تمنح له كامل الصلاحيات ، للتكفل بإعداد وتشكيل حكومة جديدة “
لأن من وجهة نظر عقلاء السياسة ، الموقف الراهن المتعنت لحزب الأغلبية (العاض بنواجذه على ناصية هذا المبدأالدستوري الذي يكفل له هذه الأحقية ) في ظل هذا الركود والعطالة السياسية الحالية التي سببها موقفه المعاند ، لن يحقق اي مكاسب للمصالح العليا لبلد كالمغرب ؛ مازال يتجرع كبسولات كمياء “الإنتقال الديموقراطي” و مازال يتعثر في طريقه لإتمام مشاريعه التنموية الكبرى .
ثم من ناحية أخرى ، موقف مثل هذا ، من المتوقع أن يكون له أثرا عكسيا ، و سييثير مزيدا من الريبة لدى شركاء المغرب الدوليين ، و ربما سيقلل من درجة تقييمهم لتماسك مؤسساته السيادية ، ولمدى قدرتها على أن تواصل بثبات إستمرارها العادي ، دون أن تتأثر بالمشاحنات الداخلية .
مع ، طبعا ، مايصاحب هذا التقييم الأجنبي للوضع الداخلي ، من مراقبة متأنية لكل منجزات المغرب القائمة فعلا ، ومن متابعة عن بعد ، لكيفية إنجاح الأخرى المعلنة مسبقا من طرف مسؤوليه الفعليين .
لكن بالمقابل ، سيكون مناسبا من طرف الجهات العليا لو تم ، إشهار فرضية سيناريو بديل ، وتفعيله لإنهاء دوامة الأزمة والتعديلات الحكومية المتوالية ، التي وصلت كما يعلم الكل ، الى الباب المسدود ؛ موازة مع ذلك التدخل الملكي الغاضب – بعد افتتاح دورة البرلمان – المسنود دستوريا ، الذي حسم الإشكال المفتعل جزئيا ، بإعادة عقرب المسؤوليات إلى ساعة الصفر ، و إعفاء نهائيا وزراء من تحمل مهامهم الحكومية الحالية .
وكان بودنا ، لو تبع نفس قرار الإقالة ، التسريع في تفعيل إجراء آخر، بحقن الدواء المناسب و بالضبط في فتحة شريان الجرح السياسي ، المفتوح و المتعفن ، التي كانت علته البينة والفاضحة والحقيقية ، حتى الآن ، هي تنافر مصالح أحزاب متباينة إيديولوجيا ، و هشة قاعديا و فاقدة للبوصلة السياسية الإجتماعية ، و غير مؤهلة ولو قليلا لصناعة حروف أبجدية جديدة ، يكتب بمدادها وفاق وطني تاريخي مدروس ، يترك صداه في أفق المستقبل القريب ؛ فكيف بالأحرى لها (أي الأحزاب ) القدرة على قيادة بلد كالمغرب ، يعيش تعقيدات داخلية على عدة مستويات ، و تحديات خارجية إقليمية تتطلب نظرة استراتيجية بعيدة المدى ، للخروج من عنق دوامة التكتيكات الخانقة.
هنا يتعين فتح قوس تاريخي ، و التأكيد ، على أن الدولة المغربية واجهت دوما كثير من الأزمات ، و عاشت حالات من الطوارئ السياسية الصعبة ، وكانت هناك في فترات ماضية ، تدخلات مفاجئة ، من الجهات العليا ، أكثر رزانة و جرأة ، حاولت فيها أن تساير توتر واقع اللحظة السياسية المتأزمة ، وإيجاد تركيبة متوازنة من الحلول العاجلة ، لإزاحة الأخطار المتربصة بالإستقرار الداخلي للبلد كله ، آخرها خطاب 9 مارس 2011 التاريخي
وبالمثل ، وفي ظل هذه الأزمة ، ولما لا ؟!
يمكن للملك المغربي محمد السادس ، إذن، أن ينتقي من النخبة النسائية المؤهلة إمرأة محايدة سياسيا و لامنتمية (سيدة اعمال أو إطار في مؤسسة كبرى مثلا ) ويعينها في منصب رئاسة الحكومة ، لكي تلعب دورا استثنائيا ، انتقاليا، في لعبة التهدئة بين هؤلاء القياديين المتحزبين ، الذين صار يكمن شغلهم الشاغل ، فقط في التنافس على الحصول على اكبر حصة من كعكعة المناصب الكبرى ،و فقط في إتقان فن إذكاء نيران التوتر وخلق المناوشات ، لعرقلة تقدم الخصم ، و التفنن في فبركة مفاوضات الكواليس العبثية المتشنجة .
سيدة محنكة ، سيكون من المطلوب منها بداية ، ان تتسم مهمتها ، بالتحفظ الواجب ، والتسامي المتعالي ، لكي ينأى بها عن السقوط في بركة التفاهات ، والتراشق و التلاسن غير المجدي ، الذي رافق شهورا هذا التطاحن السياسي ، و الذي لم يعد ، حتى الان ، على مصالح البلد بأي فائذة ترجى.
أما مايسمى بالشرعية الانتخابية ، التي يتم رفع شعارها عند كل محك و اصطدام ، و التبجح بها مرارا ، و تزكيتها وتبريرها رقميا ،
استنادا لذالك الرقم السحري، الذي تجسده عدد المقاعد المحصل عليها ( علاوة على تتويجها كحجة دامغة ختمت بها صناديق الإستحقاق الديموقراطي )
فهي واهية من أساسها ، بحكم أننا إذا سايرناهم ، في رشم وتنزيل نفس قواعد اللعبة ، سنجد أن عدد المقاطعين والغاضبين الساخطين على مجريات الانتخابات ، يفوق بكثير تلك الشرذمة المغيبة ، التي تم إغراؤها للتصويت ، ودفعها للمشاركة في الإقتراع جزافا.
ثم إن الملك له صلاحيات دستورية واضحة ، كضامن لإستمرارية مؤسسات سيادة الدولة المغربية ، ومن خياراته المشروعة كرئيس فعلي لها ، و مالك لسلطة تقديرية ، أن يتدخل فورا ويقف على اسباب هذا الفشل السياسي .
باختصار هذه المرأة القيادية ، على رأس حكومة مغربية ، ستتمثل مهمتها في مواصالة الحفاظ على عملية الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ، داخل الورشات الكبرى ، مع اعطاء مهلة مؤقتة لمسيري الاحزاب ، لكي يتعقلوا ويبرمجوا شيئا مقبولا وملموسا ، يتعين انطلاقا منه ، تدبير سياسة البلد المستقبلية وآنئذ سيسمح لهم بالعودة للتباري من جديد فوق الحلبة
فالإشكال مازال كما هو ، فالمغرب بحاجة إلى حكومة تدبر أموره على وجه السرعة ، والضامن لوجودها الفعلي هو الملك ، فلم يعد تحقق هذا يتعلق بمسألة مشاركة الأحزاب أو بدونها . فلنترك آنئذ للزمن السياسي الآتي مهمة القيام بفرز المسؤوليات التاريخية لكل جهة وتحديد حصة مساهمتها في إنفراج الوضع المتأزم.

 

التعليقات معطلة.