مقالات

في الحدث: التحول الصيني تجاه الاستثمار الأجنبي ماذا يعني؟

 
 
طارق أشقر
 
تناقلت وكالات الأنباء أمس الاثنين ما يفيد بأن المؤتمر الوطني الشعبي الصيني “البرلمان” الذي ستبدأ دورته السنوية اليوم الثلاثاء وتستمر على مدى أسبوع، سيصوت على قانون جديد يتضمن تغييرات جوهرية حول الاستثمارات الأجنبية داخل الصين.
وفيما استبشرت الولايات المتحدة بهذا التوجه كونه يلامس بعض الخلافات التجارية بين واشنطن وبكين، يتخوف الأوروبيون وفق ما جاء فيما تم نشره عن هذا الموضوع، يتخوفون من أن تكون التعديلات الصينية المرتقبة استجابة من بكين للضغوط الأميركية بشأن العلاقات التجارية بين البلدين.
وحسب ما تم الكشف عنه بشأن القانون الجديد بأنه يهدف إلى معالجة الكثير من المعوقات التي كانت تواجه المستثمرين الأجانب في الصين، والتي بينها شرط “نقل التكنولوجيا” من الجهة المستثمرة إلى الشركاء الصينيين، وهو شرط سيلغيه القانون الجديد، كما سيلغي أيضا آلية كانت تعرف بآلية “دراسة كل طلب على حدة”، وذلك حسب ما جاء في مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم المؤتمر الشعبي الوطني الصيني في بكين مؤخرا.
وكيفما كانت التفاصيل الأخرى حول هذا الموضوع، فإن تسهيل الإجراءات الاستثمارية لدولة كالصين يعتبر خطوة لها الكثير من المدلولات على مستوى التجارة الدولية بشكل عام، وعلى مستوى التجارة الإقليمية على وجه الخصوص.
فعلى المستوى الدولي فإن إحداث أي تغييرات في الإجراءات الاستثمارية لدولة كالصين التي تتأرجح بين المرتبتين الأولى والثانية من حيث القوة الاقتصادية العالمية، يعني أن الصين ستتمكن حتما من زيادة قدرتها على كسب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، خصوصا وأن الدول الغربية تنظر دائما للصين بأنها “سوق مستقبلية كامنة” لأي منتجات تبحث عن أسواق خارجية واسعة، في حين أن التوسع في تسويق تلك المنتجات الغربية داخل السوق الصينية سيزيد من مستوى ربحيتها، وذلك بفضل قلة تكلفة الأيدي العاملة الصينية إذا ما قورنت بتكلفتها داخل البلدان الأوروبية أو الأميركية.
وعلى الجانب الآخر من المدلولات المتوقع انعكاسها على التجارة الدولية، فإن حدوث أي تحول بشأن إجراءات الاستثمار الأجنبي داخل الصين سيعتبر على المدى البعيد إضافة نوعية لصالح الرؤية الأميركية تجاه التبادل التجاري بين الصين وأميركا أي انتصار للرؤية الأميركية التي كانت تسعى لحماية تكنولوجيتها من النقل الإجباري خارج أميركا، ذلك الشرط الذي كانت تفرضه الصين سابقا على المستثمرين الأجانب قبل القانون الجديد.
غير أن خطوة التغيير والتحول نفسها يمكن أن تكون في النهاية مكسبا تجاريا أيضا لصالح الصين، وذلك باعتبار أن تعزيز علاقتها التجارية مع أميركا سيضمن لها استمرارية معاملتها بمفهوم “الدولة الأولى بالرعاية” من جانب واشنطن، وهو مفهوم ظلت الصين تستفيد منه طوال السنوات الماضية، بل سيتعزز الأمر فيما بعد بالقدر الذي سيضمن دخول أكبر للمنتجات الصينية إلى الأسواق الأميركية التي تتسم القوى الشرائية بصفة بصفة القوى ذات الدخول العالية الارتفاع، وذلك على عكس مستوى دخول القوى الشرائية داخل الأسواق الصينية التي تعتبر الآن هدفا للمنتجات الأميركية والأوروبية لزيادة عدديتها السكانية.
أما على مستوى التجارة الإقليمية فإن حدوث أي تحولات بشأن تسهيل إجراءات الاستثمار الأجنبي في الصين سيقلب كفة السوق الصينية بالنسبة للمستثمرين الأجانب الذين يعتبرون في الوقت الحالي هدفا لاقتصادات المنطقة العربية على وجه الخصوص، في حين أن مستوى المحفزات الإقليمية مهما كبرت وزادت فلن تكون قادرة على منافسة الصين.
وفي السياق نفسه، فإن زيادة حجم إنتاج المستثمرين الأجانب من داخل الصين ربما يحول الكثير من مسارات واردات المنطقة العربية والخليجية من بعض السلع الغربية والأميركية التي كان استيرادها يتم من دول المنشأ بشكل مباشر، ولربما يتم استيراد تفس المنتجات وبنفس ديباجة الشركات الأوروبية والأميركية ولكن من مصانع صينية، وفي الغالب بنفس الأسعار.
وعليه، وفي المجمل تعتبر الصين في كل الحسابات هي الرابح الاقتصادي والتجاري الأكبر على المدى البعيد، في حين يأمل الاقتصاديون في التفات دول المنطقة إلى أهمية توسيع المحفزات الجاذبة للاستثمار الأجنبي، إن كانت ترغب في زيادة تدفقاته على المديين المتوسط والبعيد.