في الحدث : دلالات تخصيص تأشيرة للقطاع الثقافـي

1

طارق أشقر

في خطوة استراتيجيَّة ذات دلالات متعدِّدة، أطلقت سلطنة عُمان مؤخرًا تأشيرة خاصة بالقِطاع الثقافي، يتوقع أن تسهم في توسيع أبوابها أمام فئات متنوعة من المثقفين بمختلف مجالاتهم وتخصُّصاتهم ومن كافَّة الثقافات الإنسانيَّة حَوْلَ العالم.

وبالنظر إلى المعنى العلمي لمفهوم الثقافة، كما عرَّفه عالِم الأنثروبولوجيا الثقافيَّة والاجتماعيَّة إدوارد بورنت تايلور (1832–1917) أحد مؤسِّسي علم الأنثروبولوجيا الحديثة ذلك التخصُّص الاجتماعي الَّذي يدرس الإنسان من جوانب ثقافيَّة واجتماعيَّة، نجد أنَّ الثقافة وفْقَ تايلور هي «كُلُّ الكُلِّ المعقَّد الَّذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقوانين والعادات وأيّ قدرات أو عادات مكتسبة يكتسبها الإنسان كعضو في المُجتمع».

وعلى ضوء هذا التعريف الشامل لمفهوم الثقافة، يتضح لنا أنَّ المبادرة العُمانيَّة بتخصيص تأشيرة ثقافيَّة تتجاوز كونها مجرَّد تسهيل لإجراءات الدخول، لِتصبحَ ذات أبعاد متنوعة بتنوع مفهوم الثقافة نفْسه، فتتسع بذلك دلالاتها لِتشملَ دلالات ثقافيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة عميقة، فتعكس حرص الدَّولة على تطوير المشهد الثقافي المحلِّي وتعضيد انفتاحه على العالم أجمع بمختلف ثقافاته الإنسانيَّة.

فعلى المستوى الثقافي المستهدف بهذه المبادرة، يتوقع أن تعزِّزَ التأشيرة الثقافيَّة من تبادل المعرفة والخبرات بَيْنَ سلطنة عُمان والعالم، إذ إنَّ استضافة الخبراء كُلٍّ في مجاله يوسِّع فرص استزادة المُجتمع العُماني من معطيات تجارب ثقافيَّة متنوعة تزيد من فرص تطوير المواهب المحليَّة، وإفادة الآخر بما يمتلك المُجتمع المحلِّي من خصوصيَّات ثقافيَّة مثرية في إطار من الأخذ والعطاء.

كما تُسهم هذه الخطوة بالنتيجة في إثراء المشهد الثقافي من خلال التعاون بَيْنَ المؤسَّسات العُمانيَّة المتخصِّصة والمبدعين العالميين في إقامة حلقات العمل والندوات والمؤتمرات والمعارض والمهرجانات والعروض المسرحيَّة والأوبراليَّة، وغيرها من الفعاليَّات بمختلف الأجناس الثقافيَّة، ممَّا يُسهم في جعل سلطنة عُمان منصَّة إبداعيَّة مواكِبة للتطور المعرفي بمختلف مجالاته.

أمَّا الدلالة الاقتصاديَّة لهذه المبادرة، فإنَّ التأشيرة الثقافيَّة يُمكِنها أن تجدَ مكانتها ضِمن جهود سلطنة عُمان للتنويع الاقتصادي، وذلك في وقت أصبحت فيه الثقافة والفنون جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الإبداعي، الَّذي يُنظر إليه بعض المفكرين الاقتصاديين كمورد مستقبلي يُسهم في صقل المهارات وتنميتها. وذلك لأنَّ استقطاب المبدعين في مجالاتهم يُسهم في تنشيط قِطاع الفعاليَّات وخلق ما يُعرف بسياحة المؤتمرات والمعارض، ويُحفِّز المشاريع الفنيَّة والثقافيَّة الَّتي توفِّر وظائف في مجالات إدارة الفعاليَّات والتسويق الثقافي والتسويق الإعلاني والفنون الجميلة والتطبيقيَّة وغيرها. وبذلك يتطور دَوْر التأشيرة إلى أداة اقتصاديَّة لدعم التنمية المستدامة، وتعزيز التنوع الاقتصادي. وفي السياق نفْسه تجد التأشيرة الثقافيَّة مكانتها ضِمن استراتيجيَّة رؤية «عُمان 2040» الَّتي تركِّز على بناء مُجتمع معرفي مبدع يفخر بهُوِيَّته وثقافته، ويسعى إلى الحفاظ على تراثه وتوثيقه ونشره في جميع أنحاء العالم، مع تعزيز الاستثمار المستدام في التراث والثقافة والفنون للمساهمة في التنمية الوطنيَّة، فضلًا عن العمل على تنمية الصناعات الثقافيَّة والإبداعيَّة ممَّا يخلق بيئة جاذبة للإبداع المحلِّي والعالمي.

كما تحمل هذه المبادرة أيضًا دلالات دبلوماسيَّة وسياسيَّة تتضمن رسالة قويَّة تُعَبِّر عن الثقة في رصانة الهُوِيَّة الوطنيَّة القادرة على الانفتاح والتواصل الثقافي مع العالم الخارجي كيفما اختلفت منطلقاته الفكريَّة وكيفما تباينت مُكوِّناته الثقافيَّة، ممَّا يُعزِّز صورة عُمان كمركز آمِن ومستقر للابتكار الثقافي، ويزيد من قوَّة وفاعليَّة العلاقات الثقافيَّة والدبلوماسيَّة الَّتي تربط السلطنة بدوَل وشعوب العالم الأخرى بما يُعزِّز النفوذ الثقافي العُماني على المستويين الإقليمي والدولي.

وبذلك يُمكِن اعتبار هذه المبادرة خطوةً محوريَّة على صعيد تطوير الاقتصاد الإبداعي، وتعزيز الحراك الثقافي المحلِّي، والإسهام في تسليط الضوء على مكانة عُمان على الخريطة الثقافيَّة العالميَّة بما يؤكِّد التزام السَّلطنة بجعل الثقافة والإبداع ضِمن الروافد الأساسيَّة للتنمية الشَّاملة.

طارق أشقر

التعليقات معطلة.