مقالات

في العمق: الصيف والجاهزية الشرطية

 
 
د. رجب بن علي العويسي
 
تضع مفردة الصيف وما تحمله من معطيات أو تصنعه من توجهات السفر والسياحة والاسترخاء والاستجمام، وما تتيحه من فرصة أكبر للتنقل بين الأماكن السياحية، أو زيارة معالم تراثية وتاريخية متنوعة؛ تضع النسق الشرطي أمام قراءة معمقة لطبيعة المسؤولية الشرطية لصيف آمن، خالٍ من الحوادث أو أي منغصات تؤثر سلبا حياة الفرد والأسرة، وتستدعي اتخاذ تدابير وإجراءات تؤكد أعلى مستويات الجاهزية في التعامل مع مقتضيات الرسالة الشرطية الهادفة إلى حفظ الأمن العام وتحقيق النظام وحماية الأرواح والأموال والأعراض والممتلكات وكفالة الطمأنينة ونشر الاستقرار في المجتمع.
ومع أن الحديث عن الجاهزية الشرطية لم يعد مقتصرا على فترة زمنية معينة دون أخرى أو مجال دون سواه؛ بل هي عملية تتسم بالاستدامة والاستمرارية والتجديد والتنوع، تبعا لتنوع الأحداث والمواقف، والضرورات التي ينشئها الواقع؛ وكاختصاص أصيل وسلوك مهني ممارس تؤدي شرطة عمان السلطانية دورها الوطني في التعامل مع متطلبات الصيف، عبر تأمين المواقع السياحية، وشبكات الطرق الممتدة، وتقديم الدعم والمساندة لمستخدمي الطريق، في جاهزية تتسم بالابتكارية والتجديد وسلوك شرطي ينم عن تجربة وخبرة واحترافية؛ وهو دور يأتي امتدادا لما يشهده القطاع الشرطي من تطور نوعي في مختلف مجالاته، حقق خلاله مؤشرات نجاح وطنية وعالمية مسبوقة في الموثوقية الشرطية في تقرير التنافسية لعام 2018؛ وهو يسير بخطى نجاح مبهرة وفق استراتيجية عمل مقننة، ونهج شرطي رصين، عملت على تحقيقه القيادة العامة للشرطة، استلهاما من توجيهات جلالة القائد الأعلى ـ حفظه الله ورعاه.
على أن تنوع معطيات الصيف وتعدد مبررات الاهتمام الشرطي به، يظهر في جملة المواقف المتعددة التي يمكن أن نشير إلى بعضها في: ما يمكن أن تسببه حرارة الصيف من فرص أكبر لانتشار الحرائق، سواء كانت حرائق المزارع أو المنشآت الصناعية والتجارية أو المنازل، الناتجة عن التمديدات الكهربائية أو الاستخدام غير المسؤول للتجهيزات الكهربائية؛ بما يضع شرطة عمان السلطانية والهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف، أمام مسؤولية تكثيف جهودها في عمليات التوعية والتثقيف والتحذيرات المستمرة التي تطلقها عبر منصات التواصل الاجتماعي والرسائل النصية والمتابعات والزيارات والرصد والتشخيص المستمر للسلامة العامة ومعاييرها وآلية التعامل معها، ونتائج التحقيق في الحوادث الحاصلة، يؤسس لعمل متكامل في ترقية مفاهيم الأمن والسلامة وحماية الممتلكات والمنازل وغيرها من مخاطر الحرائق؛ كما يؤدي خروج العائلات والأسر من منازلها للتنزه والاستجمام والسفر والسياحة، خصوصا مع إجازة طلبة المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى في ظل المسؤولية الشرطية في تحقيق الأمن والاستقرار؛ إلى المزيد من حملات التوعية والتحذير المستمر للمواطنين والمقيمين من اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية الممتلكات وإغلاق المنازل وتوفير كاميرا المراقبة؛ وما تؤسسه من تكثيف المتابعة والمراقبة الدورية الشرطية للمناطق السكنية لمنع جرائم السرقات للمنازل أو الأدوات والتجهيزات المنزلية أو أي تجاوزات قد تحصل في هذا الشأن.
كما أن ما تتمتع به السلطنة من بيئات سياحية داخلية متنوعة، كالمتنزهات والبرك المائية والعيون والشواطئ الباردة الممتدة من محافظة ظفار إلى بعض ولايات محافظة جنوب الشرقية، والسياحة البحرية والمائية والرياضات الرملية وعمليات التخييم في الصحاري وغيرها، وما تعنيه في مجملها من الحاجة إلى التنقل والسياحة الداخلية بين محافظات السلطنة وولاياتها يضع الشرطة أمام مسؤولية تكثيف الوجود المروري لتأمين الطرقات، وتقديم الدعم والمساندة المرورية على طول الخطوط الرئيسية وشبكات الطرق بالسلطنة بهدف تحقيق أعلى درجات الأمان والسلامة، ومنع أي تجاوزات قد تؤدي إلى حوادث مرورية، وتقديم المساعدة الفورية كالإنقاذ والإطفاء والإسعاف المروي أو ما تقدمه من جهود في عملية الإنقاذ المائي من خلال التعامل مع حالات الغرق نتيجة نزول البحر أو الممارسة غير السليمة للرياضات المائية.
لقد دأبت شرطة عمان السلطانية على أن تصنع من دورها في التعامل مع خريف صلالة السياحي وما تتميز به محافظة ظفار في فترة الصيف من أجواء خريفية ممطرة وباردة، والتي تشهد توافدا عليها من قبل المواطنين والمقيمين من داخل السلطنة أو من خارجها أنموذجا عمليا في الجاهزية والتعامل مع متطلبات الخريف لتحقيق أعلى درجات الأمان السياحي، إذ تعمل شرطة عمان السلطانية مع بداية خريف صلالة السياحي على تسيير قافلة شرطية أمنية خدمية متكاملة تعمل وفق استراتيجية أداء وخطة انتشار مقننة، ومنهجيات عمل واضحة، تتكون من مختلف الإدارات والوحدات الشرطية مثل: إدارة العلاقات العامة، والإدارة العامة للمرور، وإدارة خفر السواحل، وطيران الشرطة، والمهام الخاصة، وعمليات الشرطة، والاتصالات، وغيرها من الوحدات الشرطية المتخصصة والهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف، بالإضافة إلى القيادات الجغرافية في محافظتي ظفار والوسطى، في ظل مسار عمل يتسم بالتكاملية في الأداء ودرجة عالية من التنسيق والتناغم بينها، لتحقيق ونشر مظلة الأمان والاستقرار للجميع ليشعر المتجهون إلى المحافظة خلالها بالأمن والأمان، وينعموا بالسعادة والطمأنينة والسكينة ونشر الاستقرار في ظل بيئة يطمئن فيها السائح والمقيم على ممتلكاته وحياته.
وعليه، فإن ما تحمله الرسالة الشرطية في صيف عمان عامة؛ ومهرجان صلالة السياحي خاصة تعبير عن مساحة الأمان التي يؤسسها التواجد الشرطي في المجتمع، والمسؤولية النوعية التي تمارسها الشرطة في اقترابها من الجميع، وسعيها المستمر لبناء خيوط الثقة ومد جسور التواصل، وتقوية مجالات التعاون مع المجتمع ورسم ملامحها في ظل شراكات عملية ومساهمات فعلية تبرز على أرض الواقع من خلال مشاركة الجميع من مواطنين ومقيمين في إيصال رسالة الشرطة إلى الجميع، وتبنيها في النفس والالتزام بها كقواعد للسلوك الشخصي الأصيل، تؤكدها قناعة مشتركة بأن الأمن هو أساس الحياة، والقيمة المضافة لبناء سياحة مستدامة؛ وأن تحقيق الأمن والأمان سلوك مجتمعي وفقه مواطن غيور مخلص يستشعر ما منحه الله عز وجل لهذه الأرض العمانية المباركة من قيادة حكيمة وخيرات عظيمة؛ إنها استثمار للفرص وترقية لمسار الشراكة الأمنية في بناء مجتمع عمان: الأمن والسلام، وهي رسالة وطن تستهدف تقوية العمل المشترك على أكثر من محور؛ فهي من جهة تشخص السلوك الاجتماعي والأمني السائد في المجتمع وتقرأه من خلال تشخيص مختلف التأثيرات والتحولات والمتغيرات الحاصلة، بأسلوب يستهدف احتواء المواطن وتعزيز الفكر الإيجابي في الشباب، وترسيخ قيم المسؤولية فيه، ومن جهة أخرى فإن الممارسة الشرطية تسعى إلى وضع المواطن في صورة العمل المحاكي للواقع الفعلي، عبر تمكينه من استشعار عظمة هذه النعم، وقيمة هذه الموارد وحسن الاستخدام الأمثل لها، بما تحويه من جبال وعيون وبرك وشلالات مائية ومواقع أثرية ومحميات، والتأكيد على أهمية المحافظة عليها، وتأطير عمليات التوعية والتوجيه ومضامين الرسائل التوعوية الهادفة التي تخاطب المستهدفين في مختلف الأعمار، وتعريفهم بالمخاطر التي قد تظهر في أي موقع سياحي؛ كوجود ازدحام أو خطورة ارتياد الموقع أو وجود إصلاحات ومعالجات لبعضها؛ والتجهيزات التي يجب اصطحابها لقضاء وقت أفضل للاستجمام؛ وهنا نستحضر دور الإعلام الشرطي في ترسيخ قيم الشفافية والولاء الوطني، ونقل صورة حية للواقع، وتقريب المفاهيم الشرطية والأمن والسلامة للناس وتوجيههم لأفضل الممارسات عبر مزيد من برامج التوعية والتثقيف، وتعريف المجتمع بالضرورات والضوابط التي عليهم التعامل معها والإجراءات الاحتياطية والاحترازية التي ينبغي اتخاذها.
لم تقف الرسالة الشرطية عند هذا الحد، بل عززت من حضور قيم المواطنة والهوية الوطنية والخصوصية العمانية في التعاطي مع متطلبات الصيف عامة ومهرجان خريف صلالة السياحي، ووضعت ذلك ضمن رسالتها الوطنية والعمل على ترسيخها بأشكال مختلفة وطرائق متنوعة ونماذج عملية في أخلاقيات المواطن العماني الواعي بمسؤولياته، والمحافظ على أخلاقه وتقاليده، والذي يتعامل باحترام وتقدير ومسؤولية والتزام بالمعايير الأخلاقية مع كل القادمين على أرض السلطنة، لذلك أصبح الشرطي في الميدان يحمل مع مهامه الضبطية؛ رسالة أخلاقية في توجيه أبناء الوطن نحو معايير الالتزام الرشيد وسلوك القدوة في الممارسة واللباس عند الدخول لمنصات المهرجان ومواقعه المختلفة، وتفعيل دوره في التعاون مع شرطة عمان السلطانية وجهات الاختصاص الأخرى، في التبليغ عن أي مظاهر سلوكية غير مسؤولة، أو شبهات، أو ممارسات قد تؤدي إلى إثارة القلق والخوف في السياح والزوار؛ كالتفحيط بالمركبات الذي يحصل في أماكن تواجد السياح، أو العبث والضرر بالبرك والعيون والأماكن السياحية الأخرى، بما يؤكد أهمية المحافظة على استدامة الأرض الخضراء وانتشار البساط الأخضر في مختلف المواقع السياحية بالمحافظة؛ وتأطير الاستخدام الآمن للمرافق السياحية بما يحفظ حياة السائح المواطن والمقيم والزائر وعدم تعريضها للخطر أو التعدي على حقه في الاسترخاء والشعور بالأُنس والراحة والاستجمام.
إنها بذلك تحمل رسالة الحياة والسلام والأمان والتعايش والوئام؛ رسالة تؤمن بالأمن طريق السعادة، وتؤسس للالتزام مفتاح التميز، وتقرأ في تكاتف الجميع مرحلة متقدمة من الوعي والفكر الإيجابي وبناء أخلاقيات الإنسان المواطن؛ لذلك فهي جهود لم تعد تقتصر على نمط تقليدي في الممارسة، بل اتجهت لتوظيف التقنية والاستفادة من كل الفرص في تقوية كل المنصات المجتمعية والإعلامية والتسويقية والضبطية في بناء مسار الجاهزية الشرطية؛ فاستحقت مفردة الصيف في القاموس الشرطي اهتماما نوعيا خاصا، غير أنه ليس حصرا على الصيف دون غيره يتجاوز التقليدية والروتين إلى إعادة هيكلته وإنتاج معالمه في ثقل ما يقدمه من مراجعات وإنجازات ومبادرات وبرامج وأجندة عمل حظيت بتقدير المواطن، وما حمله منتسبو شرطة عمان السلطانية من قيم التعاون والاحترام والريادة وأساليب القيادة والذوق وحسن الإدارة والتعامل مع المواقف والبشاشة وحس المسؤولية وضمير العمل وأخلاقيات التعامل وإيجابيها في تقديم النصح والتوجيه، فصنعت لها استحقاقات وطنية أكدت المنظور الشرطي المتجدد في تحقيق صيف آمن يشعر فيه الجميع بالسعادة والاطمئنان والأمن والأمان.
ويبقى على المواطن والمقيم والزائر مسؤولية توظيف هذه الفرص والجهود في تحقيق ممارسة نوعية على الأرض، والتعاطي بوعي ومهنية ومسؤولية مع كل التعليمات والتوجيهات الشرطية التي تستهدف مزيدا من الرعاية له والعناية به وحفظ حقه في الحياة والاستمتاع والعيش؛ فتحية إجلال للقيادة العامة لشرطة عمان السلطانية على جهودها المخلصة، ولكل الإدارات والوحدات الشرطية والقائمين عليها؛ وللصامدين منهم في ميادين العطاء والإنجاز ألف تحية.