في العمق: هل سيفصح ملتقى شمال الشرقية الاقتصادي عن فرص أكبر للاستثمار السياحي بالمحافظة؟

1

 
 
 
د. رجب بن علي العويسي
 
ملتقى شمال الشرقية الاقتصادي الذي جاء تحت عنوان: “تنمية سياحية” والذي افتتح في الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي ويستمر لقرابة عشرة أيام بتنظيم من غرفة تجارة وصناعة عمان بمحافظة شمال الشرقية، وبمشاركة مختلف القطاعات الحكومية والخاصة والأهلية بالمحافظة المعنية بالشأن الاقتصادي والسياحي، بادرة طيبة تفتح المجال لشراكة مجتمعية فاعلة في استقراء الفرص الاستثمارية والاقتصادية والسياحية بالمحافظة، وهو في ظل أهدافه الطموحة ومحطاته المتعددة وتركيزه على البعد السياحي، يتوقع أن يسهم في تحقيق تحول نوعي في مسيرة التنمية السياحية المستدامة بالمحافظة، فإن ما تتميز بها المحافظة بولاياتها الست من تنوع في البيئات السياحية الطبيعة والأحيائية والبيولوجية؛ فرصة لقراءة الممكنات الاقتصادية المتوافرة بالمحافظة والاستثمارات التي يمكن أن تشهدها في الفترة المقبلة، خصوصا مع توقع اكتمال الأعمال الإنشائية لشبكات الطرق الحديثة من وإلى ولايات المحافظة، مثل: طريق الشرقية السريع، ومسار الربط الحاصل بين محافظة الوسطى وولاية المضيبي عبر طريق الدقم ـ سناو أو كذلك اكتمال الطريق السريع بين محافظة جنوب الشرقية وولايات المحافظة (بدية، ولاية وادي بني خالد..إلخ)، بالإضافة إلى عمليات الربط الشبكي للطرق الداخلية المختصرة بين ولايات المحافظة، مما سيحكون له أثره الإيجابي على تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية وحركة النقل والبضائع وغيرها.
على أن تسليط الضوء في هذا الملتقى على البعد السياحي بشكل خاص، ناتج كما أسلفنا من المقومات السياحية التي تتميز بها المحافظة والتي تتنوع بين: البرك المائية والكهوف والرياضات الرملية والجبلية والسيوح والوديان وبعض الأفلاج، بالإضافة على تنوع في القلاع والحصون والبيوت الأثرية والتاريخية والمساجد التي لها حضورها النوعي في الفترات السابقة، ناهيك عن وجود الأسواق التقليدية التاريخية والتراثية المعروفة باستقطاب السياح إليها واهتمام المواطنين والقاطنين من خارج ولايات المحافظة بارتيادها نظرا لتنوع النشاط الاقتصادي والاستهلاكي وعمليات البيع والشراء النشطة بها، بالإضافة إلى الاستكشافات الأثرية القديمة والرياضات التقليدية والرقصات التراثية والغنائية وأنواع متعددة من الفنون الشعبية التي تتميز بها ولايات المحافظة لتزيد من المضامين القيمية والاجتماعية والروحية والذوقية للسياحة البيئية والطبيعية ألوانا ومذاقات ونكهات أخرى متعددة، ومع أن كل هذه المفردات السياحية حاضرة بصورة مستمرة في ثقافة المواطن بولايات المحافظة، فإنها أيضا تلقى استحسانا لها من قبل المترددين إليها من خارج المحافظة سواء من داخل السلطنة أو خارجها.
وبالتالي فإن دور هذا الملتقى لا يقتصر على التعريف بهذه المقومات السياحية ورصدها وتسويقها وتعزيز فرص الترويج لها من قبل المؤسسات ذات العلاقة أو من خلال مساهمة الأفراد والشركات المتوسطة والصغيرة بالدخول في شراكات جادة في عملية الترويج السياحي والاقتصادي في المحافظة؛ بل أيضا عبر تفعيل تكوين حراك اجتماعي وشعبي في سبيل تقديم نماذج عملية للحزم التطويرية والمبادرات السياحية التي تتطلبها المحافظة، وزيادة مساحات التعاطي مع هذا الجانب بصورة أكثر جدية ووفق استراتيجيات وأدوات وبرامج عمل ملموسة، تسهم في تعزيز ثقة المواطن في تبني مبادرات تطويرية سياحية مستفيدا من الرصيد الثري الذي أشرنا إليه، وعبر استثمار المواطنين لأراضيهم الزراعية في توفير الأماكن المناسبة للتخييم أو في توسعة المناطق القريبة من الأماكن السياحية مع تقديم الدعم المناسب الذي يمكن أن يسهم في تقوية فرص اهتمامهم بهذا القطاع، فيتحقق بذلك تعاون المواطن مع الجهات المختصة في استغلال تلك الأماكن وإقامة المشروعات المساندة للسياح المترددين على تلك المواقع بها مقابل مبالغ مالية، وتتسع الرؤية لتشمل تعدد في الأنشطة السياحية (النزل خضراء، النزل التراثية، الحدائق والمتنزهات، عمليات التشجير ورعايتها، توفير مصادر المياه المناسبة لها)، أو كذلك في تعزيز قنوات التواصل والاتصال والإعلام الأهلية والشعبية التوعوية والتثقيفية، بالإضافة إلى استثمار تلك المواسم السياحية في توفير المعارض حول المنتجات التقليدية والتراثية والحرفية التطوعية بالولاية، وتقديم فقرات متنوعة من الأنشطة الغنائية والثقافية في تلك الفترة من قبل الأهالي والفرق الشعبية بالولاية. هذا الأمر يقودنا إلى دور الملتقى في توجيه بوصلة الاهتمام أيضا ببعض السياحات التي تشهد اهتماما منقطع النظير من السياح وبشكل خاص (السياحة الزراعية) خصوصا في ظل ما تتميز بها المحافظة من مساحات زراعية واسعة يمكن أن تستثمر بشكل نوعي الناتج من كفاءة التربة الزراعية وعذوبة المياه الجوفية بها في حال توفرها ـ أو بإتاحة الفرص للاستثمار في أراضٍ زراعية بطريقة الانتفاع السياحي.
وعليه تبقى عملية تعزيز فرص أكبر للاستفادة من الملتقى، مرهونة بأمور عدة: يتعلق الأول بمدى الجدية الحاصلة من قبل المؤسسات المركزية المعنية أولا في سبيل الوصول بالمقترحات والتوصيات وأوراق العمل والزيارات الميدانية والمحطات الترويحية والمتابعات الخاصة للأماكن السياحية، والتقييم الحاصل لها من قبل لجان العمل إلى مرحلة التنفيذ الفعلي لها في الواقع وفق أطر مقننة وآليات واضحة تعكس رغبة التقسيمات الإدارية والتنظيمية لها بالمحافظة في تحقيق تحول نوعي على مسيرة العمل القادم، أما الأمر الثاني، فيتعلق بالمساحة المتاحة للمواطن في صناعة البدائل وإتاحة البيانات والمعلومات والدعم الفني واللوجستي له في التعرف بشكل أكبر على الاحتياج ومستوى الدعم المقدم له في الوصول بالمبادرات السياحية إلى نقطة تنفيذ مشتركة تراعي كل المعطيات والعوامل الاجتماعية والمالية بما يضمن الأخذ بيد المواطن في كل ما من شأنه توظيف البيئة المحلية الحيوية، وإقامة المشاريع السياحية. وثالثا، فإن التأكيد على مسألة إشراك المواطن في منظور التنمية السياحية القادمة بالمحافظة يرتبط بالحاجة إلى جهد أكبر من المؤسسات المعنية بالقطاع السياحي والبيئي في إنشاء متنزهات سياحية ومسطحات خضراء وأماكن للترفيه والاستجمام في مختلف ولايات المحافظة بمعايير ومواصفات عالية، بحيث يجد المواطن والمقيم فيها فرصة للتنزه والتجمع العائلي مع ضمان توفير الخدمات الضرورة والأساسية لهذه المتنزهات، سواء من حيث عمليات التنظيم والتشجير والعناية بنظافتها وصونها وتوفير دورات المياه والمصليات وأماكن الاستراحة المناسبة وأماكن للمشي وحديقة ألعاب وغيرها، مع مراعاة زيادة عدد هذه المتنزهات بحسب تباعد مناطق الولاية الواحدة أو الكثافة السكانية وقربها من الطرق العامة بالولايات وغيرها من المتطلبات الضرورة للوصول إلى سقف توقعات مقبولة؛ أما الأمر الرابع فيتعلق برفع سقف التنسيق والجاهزية بين المؤسسات الحكومية المعنية بالقطاع السياحي: وزارة السياحة ووزارة الإسكان ووزارة الزراعة والثروة السمكية ووزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه ووزارة البيئة، مع الجهات الممثلة لولايات المحافظة كمكتب المحافظ ومكاتب الولاة وأعضاء المجالس البلدية وأعضاء مجلس الشورى، في سبيل بناء مسارات تحول نوعي تضمن تسهيل الإجراءات وتقليل فاقد العمليات المتكررة، وتعزيز فرص شيوع البيانات والمعلومات بين التقسيمات الإدارية والتنظيمية وأفرعها بولايات المحافظة، بالإضافة إلى وجود عمليات متابعة للفرص ومستوى التقدم فيها والجدية في التعامل معها، ومدى وجود هذه الأجندة في عمل المؤسسات، وتكثيف عمليات المتابعة والتقييم والحوارات والنقاشات للوقوف على الإجراءات والآليات المعتمدة والتحديات الماثلة وإيجاد فرق عمل مشتركة لحلحلتها وتقديم بدائل وسيناريوهات تترجم الجهود الحالية إلى نماذج عمل ملموسة.
إن هذا الملتقى بادرة نوعية تحسب لغرفة تجارة وصناعة عمان، وفرصة لحشد الجهود نحو الاهتمام بالاستثمار في ولايات المحافظة، وتعزيز حضور البيئات السياحية بصورة متجددة تتناغم مع الرؤية الوطنية لتطوير هذا القطاع وتوفر الفرص لرجال الأعمال والشركات في رصد ملامح التطوير القادمة وجملة الامتيازات والحوافز والتسهيلات المقدمة، في بناء هذا القطاع وترويج فرص الاستثمار فيه، ويبقى التأكيد على نجاح هذا الملتقى في تحقيق أهداف العملية المرسومة له ـ وهي أهداف تعبر عن الفرص المتوافرة بالمحافظة وتستشرف مستقبل التطوير والاستثمار الأمثل لها ـ منطلق لحشد الالتفاف الشعبي والمؤسسي والتكامل بينها، وتوليد القناعات الإيجابية والثقة لدى رجال الأعمال بالمحافظة في الاستثمار في الفرص السياحية المتاحة، وتبني فرص جديدة تتكيف مع طبيعة الاهتمام المجتمعي اليوم والشبابي بشكل خاص، لتشكل مسألة وضوح التشريعات ومرونتها وتكيفها مع خصوصية الولاية وقناعة القائمين على المؤسسات الحكومية بالمحافظة في تهيئتهم الفرص والمعلومات والبيانات المناسبة للمواطن في حال رغبته في تنفيذ أي مشروع سياحي، بحيث يصبح دورهم التيسير على المواطن وفتح الفرص له للمزيد من إثبات وجوده في إعادة إنتاج الواقع السياحي، وتقليل الهدر المترتب على تأخر وتعقد الإجراءات، وتقريب وجهات النظر حول ما يطرحه من مبادرات أو يفكر به من إسهامات أو مشاركات، بالشكل الذي يؤصل لدى المواطن التزامه الذاتي بالمعايير والآليات المعمول بها، وزيادة التواصل مع الجهات الحكومية في استثمار المواسم السياحية بإقامة تظاهرات سياحية في مختلف ولايات المحافظة تعكس التوجه الذي تسعى إليه الحكومة في سبيل تعزيز السياحة الداخلية. فهل سنشهد استمرارا للقاءات وحوارات قادمة في متابعة التوصيات والوقوف على نواتج العمل الحالية، وبناء خطة تطوير مدروسة تشارك فيها كل القطاعات، تنطلق من البعد السياحي والاستثمار فيه باعتباره من أكثر الأبعاد تأثيرا وقدرة على جلب الاستثمار والترويج لأنشطة وإمكانيات المحافظة؟ إن تحقق ذلك يتطلب عملا متواصلا وسعيا جادا والتزاما بسقف التوقعات المأمولة أن يحققها الملتقى، فجزيل الشكر والتقدير لغرفة تجارة وصناعة عمان بالمحافظة، وكل القطاعات الحكومية والخاصة والأهلية، على هذا التناغم الحاصل والتجاوب النوعي والطرح الراقي الذي رافق أعمال الملتقى لتصبح شاهدة على مسيرة إنجاز قادمة تشهدها ولايات محافظة شمال الشرقية.

التعليقات معطلة.