علي نون
ليست المرّة الأولى التي يُقتل فيها عناصر لـ«حزب الله» بـ«نيران صديقة» مباشرة.. أي بفعل غارات جوية يُقال، إن الطيران الروسي نفّذها بالخطأ.. ولا يمكن الجزم، في أي حال، بأنّ الواقعة لن تتكرّر!
لكن الأمر على غلاظته، يُعيد استحضار الكثير من ملابسات تفعيل الانخراط في المذبحة السورية من قبل «حزب الله» وراعيته إيران. ثم الإمعان في ترويج رواية «الانتصار» فيها تحت ظلال التحالف مع روسيا… ومن ذلك، الإصرار على نكران وطمس حقيقتَين صاخبتَين. الأولى، أن كل ذلك الدم يُهدر أساساً خدمة لسياسات إيرانية «قد» تتغيّر غداً؟! والثانية، أن ذلك الدم يُهدر في سياق إكمال نكبة شعب سوريا، العربي والمسلم! ولن تغيّر كثرة التبريرات والافتعالات والاختصارات، كأن تُدمغ أكثرية هؤلاء السوريين بالإرهاب، حرفاً واحداً في ذلك التوصيف! ولن تبدّل هُويّة الضحايا! ولن تشيطن سعيهم التحرّري. ولن تجعل من رئيس سوريا السابق بشّار الأسد شيئاً آخر غير كونه رأس عصبة فئوية أحكمت إمساكها بالسلطة ولا يهمّها أي شيء آخر سوى المفضي الى استمرار ذلك التحكّم حتى لو كانت المفاتيح في يد إسرائيل نفسها!
هربت القيادة الإيرانية من تلك الحقيقة، منذ فترة ليست طويلة. وخرج كلام منقول عن «المرشد» نفسه يقول فيه، إن إيران (عبر مستشاريها وميليشياتها المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية) تقاتل في سوريا دفاعاً عن مصالحها وليس عن «ديكتاتور» اسمه بشار الأسد! وكان غريباً، ولا يزال، تجاهل الأتباع في لبنان تلك الشهادة المجلجلة، والاستمرار في العلك المريض، الكيدي والسافر، بأن «الأسد انتصر»! ثمّ متابعة النقر على صناعة التخويف ومفرداتها المعيبة، على غرار القول تكراراً «بأننا لو لم نقاتلهم هناك لوصلوا إلينا هنا»!
و«شهادة» الإيرانيين بطبيعة الأسد هي أيضاً «نيران صديقة» أصابت منطق اليقينيّات التي يدأب «حزب الله» على طرحها في وجه كل آخر.. ويتابع في ضوئها وعتمتها بيانه الصدامي المحلّي اللبناني، والإقليمي العربي وغير العربي. وكأنه في ذلك، صار أسير توليفة ذهنية لا يستطيع الخروج منها، حتى لو تبيّن له يوماً تلوَ يوم ومذبحة تلوَ أخرى، إنه مستنزف وغارق في مستنقع فتنوي لا قعر له، وان «فائض القوة» المدّعى عنده، لا يعني شيئاً عملياً وواقعياً، لا في حسابات المواجهة «الكبرى» مع إسرائيل. ولا في حسابات توزيع النفوذ الجاري راهناً في سوريا. ولا حتى في حسابات الواقع اللبناني، الطائفي والمذهبي والمناطقي والدستوري، وحتى الحكومي. مثلما لا يعني شيئاً، بطبيعة الحال، في حسابات القوى الإقليمية والدولية الذاهبة الى محاصرته مالياً ومعاقبته على ارتكاباته إنطلاقاً من نظرتها إليه باعتباره جزءاً من منظومة الإرهاب وليس جزءاً من الحرب على الإرهاب.
.. وعدا عن ذلك، ليس من دلالات فيضان القوة ذاك، أن يسقط ذلك العدد الكبير من عناصره في سوريا من دون أن يُصدِرَ بياناً واحداً يقول فيه كيف سقط هؤلاء! وهُويّة الذي استهدفهم! وأن يبقى الأمر محور تحليل وتخمين وضرب أخماس بأسداس! ولم تكن من دلالات فيضان القوة ذاك أيضاً، أن تشنّ إسرائيل عشرات الغارات على أهداف تعنيه مباشرة، من دون أن «يتفوّه» ببيان واحد عنها وعن أضرارها!
«النيران الصديقة» (الروسية) التي أصابت عناصره بالأمس، هي رديفة «السياسات الصديقة» (الروسية أيضاً) التي أصابت نفوذه ونفوذ إيران في سوريا عموماً والتي جعلت وتجعل من إسرائيل و«أمنها» و«مصالحها» في الداخل السوري، الحدودي وغير الحدودي، حزمة واحدة تضعها قيادة الكرملين على رأسها وفي قمّة أولويّاتها! وعلناً وجهاراً نهاراً!
وقد لا يطول الزمن، قبل أن يبدأ الحزب في الانصياع لأحكام تلك «السياسات الصديقة» ومصالح أصحابها الأكبر في كل حال، منه ومن «فائض القوة» عنده!