ثامر الهيمص
لكي تنهض اي امة او شعب، لابد ان يكون لديهما مشروع سياسي واقتصادي واضح المعالم ، لذا ينبغي تجديد كتابة الماضي وفق مسلتزمات الواقع المتجدد ، بما يؤهل المشروع للمقبولية الاجتماعية والتاريخية ، كي يكون مصداقا للمشروع المزمع . المشروع عمليا هو ما اعلن عنه في التعداد العام للسكان ، مع الرقمنه الشاملة متعشقا ، ليتأهلا للتعشيق او الاندماج كليا بمشروع طريق التنمية , وطنيا واجتماعيا وسياسيا ، لشعب يعلم ان وحدته اجدى من المشاريع المتأدلجة.
يأتي التعداد العام الان مصداقا لما تقدم ’ من خلال رفع الدين او المذهب او القومية من هوية الاحوال المدنية لتصبح المواطنة اولا نظريا مكملة للمشروع الوطني متعشقة فيه برضى وارتياح غالب الشعب العراقي . حتى موالي الاستثناءات السياسية التي كانت ولا زالت فاعلة في حدودها الخاصه اي بهويتها الفرعية , او بتعبير اوضح محصوره فيما يسمى بالمكون وما ترتب عليه . اما سجلات النفوس فباتت الكترونية , وايضا باتت محايدة كبطاقة الاحوال المدنية , والامل معقود ان يكون هذا خط الشروع هو المشروع العراقي للتنمية المستدامة .
وبما ان الطبقة الاجتماعية الرائدة لا زالت مغيبة وهي الطبقة الوسطى ببرجوازيتها الوطنية و بعمالها وفلاحيها ومثقفيها وحرفييها ’ اي جمهورها التقليدي , فقد احتلت شريحة الاستيراد الكمبرادوري الريادة الاقتصادية , وببركات النفط ’ التي اغنت الحكومات منذ اكثر من نصف قرن عن الضريبة بنوعيها المباشرة والغير مباشرة , التي هي الحبل السري الذي يربط المواطن بالدوله ’ كعلاقة ديناميكية تاريخية ملموسة تترتب عليها حقوق وواجبات الطرفين وفي ضوئها, من الزكاة والصدقات الى قيام الدولة الحديثة ’ وهكذا شذت الدولة الريعية عن المسار الثابت للعلاقة , ولذلك فشلت كل المشاريع كون الريع لم يذهب للتنمية بل كان وما زال خادما للاستبداد ثم الفساد او كليهما .
فالاثرياء ليس اثرياء الا من خلال هذه النافذة . ( لندقق النظر في اثريائنا العراقيين منذ نشؤ الدولة العراقية , ولكي يكون معاكس لاي تنمية بطريق دقيقة في المقاربة دعونا نسقط من اعتبارنا المافيات المالية التي نشأت عقب 2003 . هل يمكن ان نلمح بين اوساط ارستقراطيتنا المالية من كان يوصف بالعبقرية ؟ ابدا. كانو محض ناس ذوي قدرة على الاستئثار بتجارة بضائع معينة في السوق العراقية بنتيجة او الاستفادة من قطاع المقاولات الذي يعتاش على المقاولات الحكومية , اما الباقون من الاثرياء فليسوا سوى سليلي بيوت من ملاكي الاراضي التي منحت لهم ايام الهيمنة العثمانية والبريطانية لحسابات خاصة , وقد جعلتهم هذه الثروة العقارية اناسا متكلسين قلما تلمح بادرة ذكاء في احاديثهم بعد ان تحولو الى اناس مجبولين على الجشع ومراكمة الثروة بكل الوسائل حتى لو كانت خسيسة مرذولة .( لطفية الدليمي / افاق لا نهائية / تجوال حر في فضاءات المعرفة /ص 40/ 2023 /) . وهكذا نلمس عمليا من التاريخ القريب حتى الان في معالجة ازمة السكن مثلا , اذ اتجهت هذه الطبقة القديمة الجديدة , بأقامة العمارات بشققها الفارهه الثمينة , في حين كان الهدف الاساس منه هو معالجة مشكلة العشوائيات الان البالغة في بغداد فقط اكثر من 1200عشوائية . شيدت عماراتها كما قيل , بغسيل الاموال غالبا بعد تحجيم التحويل الخارجي , ونستثني هنا مجمع بسماية الرسمي ومجمعي الجواهري والوردي اذ المؤمل ان تكون مقبولة كاسعار وملائمة عمرانيا وبيئيا, كما نستثني من البرجوازية الوطنية من اصحاب المصانع العراقية المؤممة سابقا وغير المؤمة حاليا والمتوقفه في القطاعين الصناعي والمختلط والمبادرات الزراعية الحالية التي تقوم بها ادارات العتبات , والتي تتقاطع كليا مع الجهات الاستيرادية من حيث المبدأ .
عموما اننا لازلنا عمليا ونظريا في ظل هذا السياق الطبقي المتنفذ , اي المعادي للطبقة المتوسطة المولودة من رحم عراقي بعمالها وفلاحيها ومهنييها ومثقفيها والبرجوازية الوطنية الرائدة , الذين عانوا من الاقصاء والفقر والبطالة والامراض وسوء امور التربية والتعليم والصحة والتعليم والمولات , تتعاطى بعلاجها ايضا هذه الشريحة من برجوازيتنا المستحدثة , اذ هذه المجالات الاستثمارية لحد الان ومن غير المتوقع القيام بقفزة نوعية في ميادينها بما يتناسب مع كمها العشوائي ,
اغلب هذا الاشكال ناجم تاريخيا هو التدخل الخارجي بالتفاعل مع مخرجات التخلف السياسي والاخلاقي , وضعف الوازع الوطني , حيث تشكلت دولة العراق من ولايات ثلاثة , بغداد الموصل البصرة ’ مرتبطة مباشرة باسطنبول, ليرثها البريطانيين بموجب اتفاقية سايكس بيكو ليتشكل العراق كدولة حديثة . وهكذا بدأ الحراك الاجتماعي في ضوء الايقاع البريطاني ,مثلا ( فقد ادى زيادة الانتاج الزراعي الى رخص اسعار المنتجات الزراعية , التي زاد من حدتها الازمة العالمية وكساد الاسواق في اوائل الثلاثينيات مما ادى بالتالي الى انتشار الفقر والبطالة بين الزراع . وهناك من يضع قيام سدة الكوت وقيام الحرب العالمية الثانية. وكان لانشاء سدة الكوت وناظم الغراف عام 1939 وقلة مياه بعض الانهار الفرعية في الجنوب منها خاصة , مجموعة انهار العمارة –في محافظة ميسان – , ان اضعف الزراعة السيحية في مناطق كثيرا مما ادى الى تبوير الارض وهجرة مزارعيها . ( د. رياض ابراهيم السعدي /الهجرة الداخلية للسكان في العراق / 1947-1965 /ص80-81/1976/ ) . فمن مظاهر العوامل اعلاه هو تغييب الوطنية بين الاطراف الفاعلة سياسيا , لكون الولايات الثلاثة المؤتلفة لتشكلا العراق كدولة ذات سيادة ,فالولايات الثلاثة تحولت الى مكونات ثلاثة , كما حصل بعد 2003 بتوافقات اقترحها المحتل اولا, مما خفض منسوب المواطنة ,الا حالة ما نلمسه عمليا اولا في التشجيع لكرة القدم فقط. مما خلق فراغا لصالح الاعياد والمناسبات المذهبية والقومية ولمصالحها اولا بتبريك من اصحاب الشأن السياسي .
وبذلك انحرفت الطبقة الاجتماعية الساندة نحو الاستيراد وصولا للتهريب وتبعاته, كون الحقل الوطني غير جاهز , نتيجة التمزق الذي احدثته الهويات الفرعية المسيسة , ليملا الفراغ التخادم والتناغم والتواطئ كبديل عن علاقات المواطنة اجتماعيا وسياسيا . ولكن ليس للفساد الذي بات كرة نار يتقاذفها المتورطين ويصل لهذا المستوى , فالفساد ظاهرة دولية واقليمية ’ ولكن تحت سقف القانون الواحد الصارم مستغلا بعض الفراغات الامنية او الفنية , وبشكل ادق هناك ارادة سياسية واحدة تلتف حول اهداف حقيقية وعملية , كما نلمسها في تجربة اهم جارين لنا , وهما ايران وتركيا .
لا احد ينكر الفساد في التجربة الايرانية , فكبار المسؤولين يتحدثون عن الحجم المتزايد للفساد في اجهزة الدولة ومؤسساتها ووزاراتها من المرشد الى من هم دونه , والمحاكمات على قدم وساق( واغلبها علني ) ’ وارقام الفساد كبيرة جدا والكثير منها معلن , وبحسب كبار المسؤولين فقد تحول الفساد في ايران الى تهديد الامن الوطني , يفوق اخطر التحديات الخارجية التي تواجهها ايران ويتقدم عليها , بما في ذلك الحصار الامريكي . ولكن في ايران الى جوار الفساد تقدم واضح على خطى الاكتفاء الذاتي , وتقليص الاستيراد وزيادة حجم الصادرات , وتنشيط البحث العلمي واحتضان الطاقات الابداعية الذاتية , وغير ذلك كثير مما تكشف عنه مشاهد الحياة في هذا البلد , حتى لمن يمربه زائرا , مما ادى بمجموعه الى ارتفاع الناتج القومي وتعظيم الثروات الوطنية وادارة (حاذقة للفساد) . والكلام نفسه ينطبق على تركيا, فلهذا البلد مشكلاته, وللاردغانية مساوئها لا سيما في الطور الثالث الذي نعاصره من اطوارها . لكن في المقابل الم تحقق تركيا ارقاما ضخمة على مستوى الاقتصاد , جاء اعظمها ببلوغ الناتج الاجمالي اكثر من 800 مليار دولار , مع تنشيط الصناعة والزراعة وعلى نحو خاص في الالبسة والنسيج , والاهم من ذلك كان تحويل حقل السياحة الى مصدر مواز , يقارب بمردود العملات الصعبة ما نجنيه في العراق من النفط الخام ؟ ( جواد علي كسار /الوطنية العراقية / تحديات المشروعين الايراني والتركي / ص278-279/ 2021) .
فمشروعنا ببنيته المطلوبة , علينا اعلام المجتمع العراقي اهميته , كناقل للبلد من الحال المؤسف الى المشرف , وهذا لا يتأتى الا بمواجهة التحديات من الان , فما هي التحديات الداخلية والخارجية , ونحن امام خرائط شرق اوسطية الان :
اولا – تحدي الفساد الداخلي غير الاعتيادي , وبما اننا نفتقر لقوة القانون ,مقترنا بضعف رؤية ستراتيجية موحدة , فعلى الاقل وفق المنطق القراني ( ان الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) , لتنضج عندنا الرؤية المستقبلية .
ثانيا – لدينا منافسين اقليميين وجيران , وهذه طبيعة الامور , علينا التفاهم معهم من خلال علاقتهم الصينية ( كما صالحت الصين بين السعودية وايران ) او من خلال الحليف الامريكي كمرجعية كبرى لاخرين , والمنافسون هم , ميناء مبارك , القناة السعودية المزمعة , قناة السويس . أذ لم تعد العوامل الموضوعية كافية للتقدم بغياب ارادة فاعلة سياسيا داخليا وخارجيا .