في شهر التوعية حول متلازمة داون… صوفي طفلة علّمت الكل معنى الحب

3

 المصدر: النهار العربي

كارين اليان

صوفي (النهار)

منذ عام ونصف العام استقبلت مارتين زغيب ومؤسسة حساب Sophie with love Syndrome على “إنستغرام” مولودتها الأولى. بعد 5 سنوات من الانتظار والترقّب حصل الحمل الذي لطالما حلمت به وزوجها، وطوال 9 أشهر ترقّب اللحظة التي ستحمل فيها طفلتها، بعد أن جهّزت كل ما يلزم لاستقبالها بفرح لا يوصف ولهفة تشبه لهفة أي أم انتظرت طويلاً حتى تحقّق حلم الأمومة. وبعد ولادة صعبة، حصل ما لم يكن ضمن حساباتها. إذ بها تكتشف انّ طفلتها صوفي مصابة بالتثلث الصبغي، كما أخبرت الزوجين طبيبة الأطفال، وفق ما أثبتته الفحوصات. يمكن توقّع الصدمة التي تلقّتها الأم حينها، فطفلتها مختلفة عن غيرها من الأطفال، وهي تختلف عن تلك الطفلة التي حلمت بها خلال الأشهر التسعة الماضية. خلال ساعات أو ربما أيام، بدا وكأنّ الزمن قد توقف بالنسبة لها، لكن سرعان ما اكتشفت أنّ طفلتها الجميلة تعلّمها الحب تلقائياً، فوجدتها أجمل الهدايا والنعمالتي ما كانت لتحلم بأجمل منها.  

 لم تكتشف مارتين خلال الحمل أنّ طفلتها مصابة بالثلث الصبغي على الرغم من خضوعها للمتابعة من قبل طبيبين في الوقت نفسه. ويبدو أنّها ليست أول من يحصل معها ذلك. إلّا أنّها اليوم تحمد الله لأنّها لم تكتشف ذلك قبل ولادة صوفي. فربما كان ذلك سيخلق لها أفكاراً سلبية وأحكاماً مسبقة تؤثر علىحبها لها اليوم. 

 تقول الأم مارتين: “ما أود أن أؤكّده للكل اليوم، أنّولادة طفل مصاب بالثلث الصبغي ليس بالأمر المخيف أو المقلق، ووجودهم في حياتنا ليس نتيجة الحظ السيئ، كما يُقال في مجتمعنا. هو ليس أقل من غيره من الأطفال، إنما هو مختلف فحسب، ولكن العيش معه في غاية الروعة. وصحيح أنّ الأمور تتطلّب المزيد من الجهد، لكن تجربتي مع صوفي جعلتني أكتشف أنّ الأمور قد تتطلّب المزيد من الجهد، إنما هؤلاء الأطفال هم أقوى منا، هم أقوى بكثير مما يمكن أن نتوقعه. وهذا ما يجب أن يدركه الكل. هم يبذلون الكثير من الجهد ليحققوا ما يريدون تحقيقه، ما يجعلهم أكثر صلابة ويجعل إرادتهم أقوى بالمقارنة مع أي طفل آخر، لأنّهم لا يستسلمون رغم التحدّيات والصعوبات”.

 حب صوفي مدرسةعندما تلقّت مارتين خبر أنّ ابنتها مصابة بالتثلث الصبغي، كان ذلك بمثابة صدمة لها بالفعل، لم تحتج إلى وقت طويل حتى تتخطّاها. ما لا شك فيه انّ دعم المحيطين لعب مهمّاً في مساعدتها على ذلك. فتذكر أنّ الأصدقاء والأهل مكثوا معها في المنزل بمجرد الخروج من المستشفى، وكان الكل يتهافت للاعتناء بصوفي وإطعامها، عندما لم تكن هي جاهزة لذلك بعد. كانت تكتشف كماً هائلاً من الحب منذ أن دخلت صوفي حياتها. استشارت هي وزوجها اختصاصيين، وذلك على الرغم من أنّها متخصّصة في علم النفس، حتى تتلقّى المساعدة كأم لطفلة مصابة بالتثلث الصبغي. كما استعانت بخبراء بدأوا بمساعدة صوفي من الشهر الأول للحدّ من التحدّيات التي يمكن مواجهتها. 

  في حديثها، تعود مارتين بالذاكرة إلى اللحظة التي رآها زوجها حزينة بعد ولادة صوفي، فذكّرها بسعادتها الصعبة الوصف أثناء الحمل، مؤكداً لها أنّ الطفلة التي كانت في رحمها، كانت السعادة تغمرها بانتظارها فتعبّر عن سعادتها بالرقص والغناء. فهي الطفلة ذاتها التي ولدت مع اختلاف لا يتخطّى كروموزوم واحداً. تتذكّر هذه العبارات اليوم بتأثر جديد. لكنها تدرك جيداً أنّها لم تحزن يوماً على نفسها، كما قد يعتقد البعض، ومنهم من يعبّر بهذا الشكل. إلّا أنّها أرادت دوماً ان تربي ابنة قوية تتمتع بالإستقلالية، لكن في مثل هذه الظروف كانت تخشى من ألاّ تتمكن ابنتها أن تكون كذلك. على الرغم من ذلك، عرفت مارتين سريعاً أنّها إذا لم تتحلّ هي بالقوة، وإذا تخاذلت، ستكون ابنتها ضعيفة حتماً ولن تتمكن من الانخراط في المجتمع. “كان عليّ أن أقف متحلّية بالقوة لأني حكماً مصدر الدعم والقوة لطفلتي، وأي تخاذل من قبلي يؤثر سلباً عليها وعلى مستقبلها. اتخذت قراراً بأن أكون الداعمة لها وأن أقف خلفها لتحظى بالحياة التي تستحقها فعلاً وتنعم بالسعادة”. على الرغم من كل الدعم الذي حظيت به في محيطها، ليس هذا العنصر الأساسي الذي ساعد مارتين في المضي قدماً والتعامل مع هذه النعمة في حياتها بهذا الكمّ الهائل من الحب والإيجابية. ففي الواقع، كانت صوفي بذاتها من علّمها ذلك. فسرعان ما وجدت لدى طفلتها مخزوناً هائلاً من الحب الذي تعطيه لها ولكل من حولها. وكأنّها قادرة على جعل كل من يحيط بها يحبها ويعشقها بكل ما تتحلّى به من عاطفة وفرح وظرف. لذلك، استطاعت صوفي أن تنمّي حب والدتها والكل لها. فنمت تلك العلاقة المتينة بين الأم وطفلتها، بشكل جعلتها تكتشف أنّها كانت فعلاً الطفلة التي انتظرتها من سنوات طويلة، وما كانت لتتمنى غيرها، وهي فخورة بها وبوجودها في حياتها. فكانت فعلاً تلك الطفلة الثمينة التي انتظرتها طويلاً، ما يفسّر كل هذا الحب الذي تكنّه لها. فصوفي البالغة من العمر عاماً ونصف العام، لا تختلف عن أي طفل آخر إلاّ بمعدل الحب الهائل الذي يمكن أن تنشره من حولها، وفق ما تؤكّده والدتها. “هي عاطفة غير طبيعية، هي صعبة الوصف”. وكأي أم تحلم اليوم بأن تتمتع ابنتها بالاستقلالية وبمستقبل جيد تتمكن فيه من إثبات نفسها، وهي ستكون جاهزة لفعل كل ما يستلزم ذلك. أما اليوم فهي حريصة على القيام بكل ما يلزم لانخراط صوفي بالمجتمع، فتشارك بكل المناسبات وأعياد الميلاد، وستدخل قريباً الحضانة لتتواصل بشكل أكبر مع غيرها من الأطفال استعداداً لدخولها إلى مدرسة دامجة لاحقاً. عندما فتحت صفحة Sophie With Love Syndrome أرادت مارتين ان تُظهر للعالم كيف يمكن تربية طفل يعاني التثلث الصبغي بحب وفرح، ولنشر الوعي حول متلازمة داون التي تحمل اسم مكتشفها جون داون. أما ما تطمح إلى تحقيقه مارتين بشكل خاص، هو دمج الأطفال من ذوي متلازمة داون في المجتمع،   واختلافهم لا يستدعي عزلهم. وتعتبر الزيادة في المدارس الدامجة خطوة أساسية في سبيل تحقيق ذلك. لا تنكر مارتين أنّ الطريق قد لا يزال طويلاً في مواجهة الأحكام المسبقة ونظرة المجتمع، إنما بالمقارنة مع سنوات مضت، يبدو واضحاً أنّ المجتمع أصبح أكثر تقبلّاً وانفتاحاً والمؤسسات كذلك، لتشكّل هذه خطوات مهمّة في طرق دمج ذوي متلازمة داون في المجتمع. “على الكل أن يدرك أنّه ليس هناك أحد غير معني بهذا الموضوع، فالكل معني. 

هؤلاء الأطفال يشكّلون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع، والوعي ضروري لينخرطوا بشكل أفضل فيه، وليتمّ التعامل معهم بشكل طبيعي من دون تمييز او تركيز على هذا الاختلاف الذي لديهم، خصوصاً أنّهم في المقابل يتمتعون بكفاءة عالية وقدرات تماماً كغيرهم من الأطفال. كما أنّ كلاً منهم فريد واستثنائي تماماً كما بالنسبة لباقي الأطفال”.

التعليقات معطلة.