في ظلّ تدهور سوريا، إيران وحدها هي الرابح الأكيد

1

أندرو جيه. تابلر

توبين هارشو: حسناً، فلنبدأ من البداية. لا أعني تخلي الرئيس باراك أوباما عن “خطه الأحمر” بشأن الأسلحة الكيميائية، أو “الربيع العربي”، أو عندما استلم بشار الأسد مقاليد الحكم من والده. أنا أتحدّث عن اتفاقية سايكس- بيكو، أو التقسيم العشوائي إلى حدٍ ما للشرق الأوسط على يد بريطانيا وفرنسا منذ قرنٍ من الزمن. ماذا يمكن أن يكشف لنا هذا التاريخ غير المشرّف عن اليوم؟

أندرو تابلر: تعاني الامبراطوريات من مشاكل كثيرة – تفرض عليك الضرائب وتُقحم شعبك الفتي في حروبٍ لا تريد خوضها وما إلى ذلك. لكن العثمانيين منحوا السكان المحليين على الأقل كثيراً من الاستقلالية. ونجحت تلك [السياسة] إلى أن بدأت الامبراطورية تتجه نحو الانهيار. فعلى سبيل المثال، كانت هناك مناطق تقع فيها قرية من المسلمين الشيعة على بعد ميل واحد عن قرية أخرى مسيحية، لكن القريتين كانتا تتمتعان بهويتين مختلفتيْن وبقواسم مشتركة قليلة. ومن الصعب جداً أخذ هذه الفسيفساء المطلقة من الطوائف والثقافات وتحويلها إلى دولة قومية.

هارشو: كيف تُسبب لنا هذه الحدود المزيفة المشاكل اليوم؟

تابلر: لم يكن وجود سوريا يوماً منطقياً، حتى قبل الحرب العالمية الأولى. ومن أسباب ذلك كانت هذه الفسيفساء – فلم تكن ثمة هوية سورية واحدة. وهذا ما جعل سوريا من المناطق المنتدَبة التي تتّسم بأكبر قدرٍ من عدم الاستقرار في عصر الاستعمار، وبعد الحرب العالمية الثانية، يقال أن هذه البلاد كانت الأكثر تقلباً في العالم. فقد شهدت سبعة أو ثمانية انقلابات، ولم تعد موجودة لمدة ثلاث سنوات عندما انضمّت إلى مصر في عهد جمال عبد الناصر لتشكّل معها “الجمهورية العربية المتحدة”. ولطالما انعدم الاستقرار في سوريا، لذلك ما حصل هو أنه عندما تسلّم حافظ الأسد مقاليد السلطة في عام 1970، استغل حالة الطوارئ الوطنية من الاضطراب المحلي وأعلن عن قانون طوارئ فسح المجال لدكتاتوريته. وبهدف تبرير هذه الدكتاتورية، جعل من التصدي لإسرائيل محور الاهتمام. فتم استخدام فكرة أنهم يحاربون إسرائيل من أجل وضع ركيزة لأحد أكثر الأنظمة استبداداً في العالم. وهذا ما تسبب بصلابتهم وعجزهم عن التفاعل مع الإصلاحات التي كان من شأنها أن تمكِّنهم من تجنب الاضطرابات في عام 2011.

هارشو: ليسوا الوحيدين الذين يستخدمون إسرائيل كذريعة لحكمهم القمعي.

تابلر: نعم، القضية الفلسطينية كما تُدعى لم تُحَل حتى الآن. وكان ناصر يحب أن يقول عنها، “لا صوت يعلو على صوت المعركة”.

هارشو: ماذا يعني ذلك؟

تابلر: يبرز المعنى أكثر في العربية، لأن كلمة “صوت” المزدوجة المعنى تشتق من الجذر نفسه. لذلك، تعني هذه العبارة أننا في حالة حرب وسنعود إلى هذه القرارات الأخرى المتعلقة بالحوكمة لاحقاً، ولكننا حالياً نحارب وهذا يبرر حالة الطوارئ.

هارشو: إذاً كيف يختلف بشار الأسد عن والده؟

تابلر: كان حافظ رجلاً قاسياً يصعب التعامل معه. لكنه بنى نظامه وسيطر عليه وكان لديه خطة. أما بشار فليس منظماً. فهو يعِد كثيراً لكنه لا يفي بالوعود. ويشكّل اتفاق وقف التصعيد الذي توصل إليه الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الزاوية الجنوبية الغربية من البلاد حالة اختبار.

هارشو: كيف ذلك؟

تابلر: بالنسبة إلى واشنطن، يأتي هذا الاتفاق نتيجة الحاجة إلى حماية الشعب الذي يقف في صف الولايات المتحدة من الحرب الأهلية وإبقاء القوات الإيرانية خارج جنوب غرب سوريا. كما أنه نموذج محتمل للسلام في باقي أنحاء البلاد. والآن، وسط ذلك، توقف الولايات المتحدة تمويل برنامج تدريب قوات المتمردين في الأردن وتركيا. ألن ندع الثوّار يدافعون عن أنفسهم؟ يبدو أن الأمر يتعلق بالحد من العمليات الهجومية التي يشنها وكلاء الولايات المتحدة ضد النظام، لأن هؤلاء المحاربين لن يكونوا فعّالين الآن.

هارشو: هل تشكّل منطقة وقف التصعيد نموذجاً لكيفية إرساء السلام في البلاد بأكملها أم أن الولايات المتحدة تريد نوعاً من الصفقة الكبرى؟

تابلر: إنها صيغة للتعامل مع واقع أن أياً من النظام والمعارضة لا يملك القوات الكافية للاستحواذ على كافة الأراضي السورية. إنه اختبار. أنا متشكك لأن الروس انفقوا بكثافة في دعم النظام. إنها عقدة مستعصية [معضلة حقيقية].

هارشو: يفترض المرء أن وقف الدعم للثوار هو جزء من التفاوض مع روسيا التي تريد أن يحتفظ الأسد بسيطرته على الأقل على جزء كبير من سوريا بعد الحرب. ما هي المرحلة النهائية من لعبة بوتين؟

تابلر: تتعدد آراء الروس حول سوريا. فإذا تحدثت مع وزارة الشؤون الخارجية الروسية، تسمع حديثاً عن مفاوضات معقولة من أجل الدفع باتجاه حلٍ دبلوماسي عن طريق مجلس الأمن الدولي. وإذا تحدثت مع وزارة الدفاع، تتلقى إجابة مختلفة جداً وأكثر عدوانية. ويلتقي هذان المركزان في الكرملين. أعتقد أن الروس يعلمون أنهم لا يستطيعون الخروج كلياً من سوريا في النهاية. يريدون إبرام صفقة، لكن الصفقة التي يريدونها لا تتمحور فقط حول سوريا. وبالنسبة إليهم، ترتبط هذه بالعقوبات الأمريكية ولا سيما بضمهم للقرم. يحبون المقايضة، على عكس الولايات المتحدة.

هارشو: هل تعتقد أن بوتين سيتخلى عن الأسد في هذه المقايضة؟

تابلر: ربما، لكن السؤال هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدفع ثمن السماح لبوتين بالاستيلاء على الأراضي في أوكرانيا مقابل ما تريده واشنطن في سوريا.

هارشو: إذاً، اقتربت نهاية تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة السورية التي أعلن أنها عاصمته. لكن حتى مع دمار “خلافته”، لن يُمحى عن الوجود. ويتضمن هذا المزيج عدداً وفيراً من الجماعات الثورية فضلاً عن «حزب الله» المدعوم من إيران. فما الذي سيحصل في المرحلة التالية؟

تابلر: إذا استمرت الأمور على ما هي عليها، مع قيام نظام الأسد الذي تدعمه إيران بملء الفراغ في سوريا وقيام القوات نفسها بذلك في العراق، هل يمكنك أن تتصور ماذا سيبدو المشهد بعد عام؟ سيكون عبارة عن ساحة مختلفة للغاية.

هارشو: وهل ستكون إيران الرابح الأكبر؟

تابلر: سيتشكّل الهلال الشيعي الذي كنا نتحدث عنه ونتخوف منه لعقود من الزمن ابتداءً من طهران حتى البحر الأبيض المتوسط أمام أعيننا. ولا أستطيع تصوّر البلدان المجاورة لسوريا وحلفاء الولايات المتحدة يقبلون بهذا الوضع من دون أن يحركوا ساكناً. والسؤال هو، ماذا سيفعلون؟

هارشو: هل يمكنهم أن يفعلوا شيئاً؟

تابلر: ما يسهل القيام به هو فتح الحدود والسماح بوصول الأسلحة إلى المتمردين، لأن التمرد لا يتوقف في وادي الفرات. نحن بحاجة إلى تحسين أدائهم في لعبة الوكالة – أي أنه يلزمهم النظر إلى ما يفعله الإيرانيون والتعلم منهم. ويحتاجون إلى إنشاء جهات فاعلة متفرعة عن الدولة بدلاً من الجهات الخارجة عن الدولة، وهذه هي الطريقة التي تمكّن من خلالها الإيرانيون من إحراز فرقٍ كبير.

هارشو: هل تتوافر لدى الولايات المتحدة هذه القوات الوكيلة؟

تابلر: كلا. إن هذه إحدى التحديات الكبرى التي تواجهها الدول السنية. ففي هذه الدول المنكسرة، إن السبيل الوحيد لضمان مصالحك هو عبر القوات التي تستطيع أن تتحكم بها وتشغّلها وتوقفها متى تشاء. ولا تملك هذه الدول أياً منها. ويشكّل ذلك عائقاً كبيراً أمام السياسة الأمريكية حتى الآن.

وتذكّرني الطائفة السنية اليوم بعض الشيء بالكنيسة الكاثوليكية قبل اليسوعيين – عليك أن تستجيب لحركةٍ تشكّل تحدّياً بالنسبة إلى أتباعك. ويمكن رؤية ذلك من منظار التاريخ الأوروبي، أي الحرب التي دامت ثلاثين عاماً. إلّا أنّ ذلك حدث منذ زمنٍ بعيد بالنسبة إلينا؛ أما في الشرق الأوسط فما زال يحدث.

هارشو: إذاً هل تعتقد أنه على الرغم من أن الروس يتركون الأسد يقوم بأعماله، فإن الإيرانيين هم الذين سيجنون الثمار؟

تابلر: صحيح. إلا إذا كانت الأمور ستنعكس بشكلٍ من الأشكال. أشك في ذلك.

هارشو: هل يُعتبَر الروس والإيرانيون حلفاء طبيعيون في هذه المرحلة؟

تابلر: نعم، في سوريا والشرق الأوسط بأسره. إن ما يسمح ذلك للإيرانيين بفعله هو عزل تركيا والعرب لمواجهة إسرائيل. أما بالنسبة إلى الروس، فإن الأمر يتعلق باحتواء تركيا أيضاً، ولكن كذلك على بسط سلطتهم في المنطقة. فهم لا يتمتعون بعلاقات جيدة مع العرب.

ولكن في النهاية، يهدف جزءٌ كبيرٌ من ذلك إلى العبث بالسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.

التعليقات معطلة.