تُسلّط الأضواء من بداية الأزمة الإقتصادية على معاناة مرضى السرطان بسبب انقطاع الأدوية ورفع الدعم عن قسم مهمّ منها. هي معاناة فعلية تستحق التركيز عليها، نظراً لما يعيشه هؤلاء المرضى والتحدّيات التي يواجهونها. إلاّ أنّ معاناة مرضى التصلّب اللويحي المتعدّد لا تقلّ خطورة، وانقطاع الأدوية الفعّالة لمواجهة المرض يشكّل تهديداً حقيقياً لحالة كل منهم ولحياتهم. لذلك، أطلق هؤلاء المرضى صرخةً، علّ نداؤهم يلقى آذاناً صاغية، ويلتفت المسؤولون إليهم ويحرصون على إيجاد الحلول لهم.
منذ عام 2012، تواصل الجمعية اللبنانية لمرضى التصلّب اللويحي في دعمها للمرضى، متحدّيةً كافة الظروف الصعبة لمساندتهم معنوياً ومادياً، سواءً عبر نشر الوعي او عبر الندوات أو الأنشطة الداعمة والمساندة النفسية، أو عبر الدعم المادي في الفحوصات والعلاجات التي يخضعون لها في المستشفيات. لكن شاءت الظروف أن تتغيّر الأحوال لتزيد التحدّيات، مع رفع الدعم عن قسم كبير من علاجات التصلّب اللويحي، الذي يُصنّف من ضمن الأمراض المستعصية. ومع انقطاع الأدوية تراجعت أحوال المرضى بشكل ملحوظ وساءت حالات كثيرين مع تطور المرض لديهم بسبب وقف علاجاتهم التي تساعد في الحدّ من حدّة الإصابات وضبط بعض الحالات. وكثيرون من المرضى أصبحوا يواجهون حالة العجز وهم لا يزالون في مرحلة الشباب، لعدم توافر علاجاتهم ورفع الدعم عن معظم الأدوية. ويقتصر الدعم حالياً على أدوية محدودة، بحيث يضطر الطبيب إلى وصف العلاج المتوافر ليس إلاّ، وإن كان ليس العلاج الأفضل له. وهذا ما دعا الجمعية إلى إطلاق الصرخة لاتخاذ الإجراءات اللازمة حتى يتمكن المرضى من الحصول على علاجاتهم بشكل متواصل ومنتظم كما من المفترض أن يحصل، وإلاّ تتراجع حالاتهم وصولاً إلى مرحلة الشلل وهم في مرحلة الشباب والإنتاج. إذ تشدّد أمينة سرّ الجمعية اللبنانية لمرضى التصلّب اللويحي الدكتورة وديعة رمضان، على أنّ مريض التصلّب المتعدد لا يمكن أن يوقف علاجاته لأنّ حالته تتراجع ولا يعود من الممكن العودة إلى الوراء عندها. أما التمويل الذي كانت الجمعية قادرة على تأمينه في مراحل سابقة بفضل أنشطة، فلم تعد قادرة على ذلك في ظلّ الظروف الحالية، ما يزيد من التحدّيات لمساندة المريض ولو بأقل العلاجات كلفة. “لهؤلاء الشباب أحلام ومستقبل يبنونه وهم في قمّة العطاء، ولا يمكن السماح بأن يصل المريض إلى حدّ اليأس كما حصل مع أحد المرضى الذي أقدم على الانتحار لأنّه كان عاجزاً عن تأمين العلاج. لذلك الدعم مطلوب أياً كان نوعه لتتمكن الجمعية من الاستمرار في مساندة المرضى وإنقاذهم من مستقبل قاتم مرسوم لهم إذا ما استمر الوضع على حاله”.
ما هو التصلّب اللويحي المتعدّد؟التصلّب اللويحي المتعدد مرض يرتبط بالمناعة الذاتية ويصيب عادةً من هم في مرحلة الشباب بين سن 18 سنة و40، ونادراً ما يظهر لدى الأطفال أو بعد سن الأربعين، وفق ما يوضحه الاختصاصي في أمراض الأعصاب والدماغ البروفيسور سلام كوسى، مشيراً إلى أنّ هذا المرض يصيب النساء أكثر من الرجال عادةً. ويؤدي التصلّب المتعدد إلى التهاب في الدماغ والنخاع الشوكي ويبدأ بشكل هجمات. فقد تلاحظ شابة مثلاً أنّها تعاني فجأة غشاوة في النظر نتيجة التهاب في عصب العين، لكنها تكون هجمة أولى تزول بعدها تلقائياً إلى أن تحصل مرّة أخرى وتحصل بؤرة التهاب في موضع آخر. قد تتضرّر عندها المنطقة المسؤولة عن التوازن في الجسم أو الحركة أو النظر. أما الأعراض فتكون عندها بحسب المنطقة المتضررة. ما الأعراض التي تظهر لدى مريض التصلّب المتعدد؟في مرحلة أولى من المرض، يمكن أن يتعافى المريض تلقائياً. لكن الاستمرار من دون علاج للالتهاب يسبّب موت الخلايا في الدماغ وتكون الإصابة دائمة، عندها لا يمكن تصحيحها، كما لا يعود من الممكن العودة إلى الوراء. يوضح كوسى أنّ العلاجات لا تشفي بشكل تام من المرض ولا تلغي وجوده، في المقابل هي تساعد في تجميد المرض وإبطاء تطوره مع مرور الوقت. ومع توافر العلاجات الحديثة والمتطورة بأنواع عديدة، يمكن الحدّ من تطور المرض بشكل بارز. ومن هذه العلاجات ما يساعد في خفض المناعة وهي الأكثر فعالية، لكن لها آثار جانبية. لذلك، هذه العلاجات لا توصف بشكل عشوائي بل توصف لكل مريض بحسب حالته وسنه ونمط حياته.
ما المضاعفات التي قد تنتج من التأخير في تلقّي العلاج؟من أهم المضاعفات التي يمكن التعرّض لها ما يرتبط بتأخّر الحالة وتراجعها. فعلى الرغم من انّ العلاجات لا تسمح بالتعافي التام، هي تسمح بتجميد الحالة وتأخير بلوغ المرض مراحل متقدّمة، بحيث يتمكن المريض من أن يعيش حياة طبيعية. وبالتالي، يبلغ المرض مراحل متقدّمة في سن مبكرة في حال عدم توافر العلاج له. وهذا ما يواجهه مرضى التصلّب المتعدد في لبنان حالياً بسبب عدم توافر الأدوية المتطورة لهم ورفع الدعم عنها. وأصبح المريض عاجزاً عن تأمين تكاليف هذه العلاجات التي يحتاجونها، فيعيشون حالةً من اليأس والاكتئاب بانتظار أي بارقة أمل تنقذ حياتهم وتضع حداً لهذه المعاناة التي يعيشون في ظلّها. أما الجمعيات التي كانت تساعد في دعم المريض والحدّ من معاناته عبر مساندته في تكاليف الفحوص والأدوية، فباتت عاجزة مع رفع الدعم عن أدوية بلغت كلفتها آلاف الدولارات في السنة للمريض. لذلك، أصبح المريض ملزماً بالاعتماد على نفسه لتوفير علاجاته، فيما لا يمكن للجمعيات إلاّ تقديم الدعم المعنوي له. أما الأدوية التي استمر دعمها فهي من الأدوية التقليدية، بحسب كوسى، التي تعيد المريض إلى مرحلة التسعينات في طرق العلاج، بعدما كان التطور الطبي في هذا المجال قد بلغ مراحل متقدّمة. فإذا كان الدعم موجوداً يقتصر حالياً على هذه الأدوية الأقل فعالية بالمقارنة مع ما يمكن أن تحقّقه الأدوية الحديثة المتوافرة، فيما على المريض توفير تكاليف العلاجات الحديثة بنفسه من دون اي مساعدة. وفي كثير من الأحيان يلجأ المريض إلى مصادر غير موثوقة لتأمينها، فيتحمّل التكاليف من دون ان تأتيه بالنتيجة المرجوة في مواجهة المرض، وقد لا تكون حائزة على موافقة الـFDA بالنسخة التي يحصل عليها. علماً أنّ تكاليف العلاجات المتطورة تراوح بين 15 و30 ألف دولار أميركي في السنة. وكأنّ علاج مريض التصلّب المتعدد قد عاد سنوات إلى الوراء بعد بلوغه مراحل متطورة، بدلاً من مواكبة التطورات الحاصلة في هذا المجال. لذلك، يشدّد كوسى على ضرورة التقيّد بالتوصيات العالمية في مجال علاج التصلّب المتعدد، وعدم توجيه الدعم نحو الأدوية الأقل كلفة والأقل فعالية أيضاً. وأكثر بعد، غالباً ما تكون هذه الادوية مقطوعة مع ما ينتج من ذلك من إذلال للمواطن في سعيه لتأمينها.