قراءة في البصمة الإيرانية العابرة للأزمات الدولية
بينما تتسارع الأحداث على امتداد الجغرافيا العالمية، من جنوب آسيا إلى شمال إفريقيا، ومن قلب الشرق الأوسط إلى تخوم أوروبا الشرقية، تبرز خيوط خفية توصل نقاط التوتر ببعضها البعض. وفي كل مرة، يبدو أن هناك لاعباً يختار موقعه خلف الستار، لكنه لا يغيب عن التأثير: إيران.
سياسة التخفي خلف الوكلاء
إيران لم تعد تخوض حروبها بجيش نظامي، بل بعقيدة استراتيجية تقوم على “إدارة النفوذ” عبر وكلاء محليين. هذه الوكلاء هم الأذرع التي تزرعها طهران في بيئات مأزومة، متصدعة سياسيًا أو هشّة أمنيًا. في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتى في بعض الدول الإفريقية، يتكرّر النمط ذاته: تصدير نموذج ميليشاوي موازٍ للدولة، يحمل شعارات الثورة والمقاومة، لكنه عمليًا يُعيد إنتاج الهيمنة.
جنوب آسيا: التمدد الهادئ
حين تتوتر العلاقات بين الهند وباكستان، يُركّز العالم على الأبعاد النووية والدينية، لكن المتابع المتعمق يدرك حجم المناورات الإيرانية في كشمير، ومحاولات النفوذ الاقتصادي في ممرات النقل والطاقة. إيران لا تُطلق التصريحات، لكنها تبني معادلات على المدى الطويل.
قد يبدو ما يجري بين الهند وباكستان شأناً إقليمياً بحتاً… لكن حين تنظر خلف الستار، ستجد إيران هناك. ليست في قلب الحدث، بل في صمته الذي يسبق الانفجار. إيران لا تكتب الصفحة الأولى، لكنها تُمسك بالقلم حين تُكتب النهاية.
ان ما يجري بين الهند وباكستان ليس صراع حدود… بل صمام تنفيس لضيقٍ يتصاعد في طهران. من يقف خلف إيران، هو ذاته من أشعل الشرارة هناك… كي لا تنفجر هنا. حين تضيق الدوائر حول طهران، تُفتح جبهات في أماكن أخرى .
الساحل الإفريقي: الجبهة المنسية
في توتر العلاقات بين الجزائر ومالي، لم تكن طهران في العناوين، لكنها كانت في خلفية المشهد. عبر دعم رمزي أو تنسيق غير مباشر مع حركات متمردة، تواصل إيران البحث عن مناطق رخوة لتعزيز دورها في قلب القارة السمراء، حيث تتراجع القوى التقليدية وتتصاعد الفوضى.
الشرق الأوسط: المسرح الدائم
في المنطقة العربية، بات الحضور الإيراني واقعًا لا يمكن تجاهله. من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن، ومن الحشد الشعبي في العراق إلى الميليشيات في سوريا، كل هذه الكيانات تشكّل أدوات الضغط السياسي والعسكري بيد طهران. هي لا تسعى لتغيير أنظمة فقط، بل لإعادة تعريف الجغرافيا السياسية وفق منطق “الهلال الأمني” الذي يخدم أمنها القومي ويمدّ بعمر نظامها.
هل إيران لاعب إقليمي أم منتج أزمات؟
في ظل غياب ردع دولي حاسم، تغلّبت إيران على حجمها الطبيعي، مستندة إلى فلسفة “الفوضى الخلاقة” الخاصة بها. لا تعرض حلولاً، بل تدير أزمات. لا تقدّم نماذج للحكم، بل تصدر نُسخاً مشوهة منهكة من الدولة. وهي حين ترفع شعار “نصرة المستضعفين”، تستخدمه مظلة لخلق قوى توازي الدولة، لا لتقويتها.
توقيع غير مرئي
حين ترى تصعيدًا غير مبرر، أو تجد حركات مسلّحة تنمو في بيئات منهكة، أو تلمح شعارات تتكرر من اليمن إلى نيامي، ومن كشمير إلى غزة، فتّش عن إيران. قد لا تراها في العنوان، لكنك حتمًا ستجد بصمتها في التفاصيل. فإيران اليوم لا تصنع الحدث، بل تصنع ما بعده.
حين يضيق الخناق على طهران، لا تصرخ… بل تُشعل نيراناً بعيدة. التوتر بين الهند وباكستان ليس صدفة، بل رسالة من بقايا المدافعين عن المعادلة القديمة مفادها ، إذا خنقتم إيران، فلن تختنق وحدها .