حنان يوسف
يصادف اليوم ٢٥ نوفمبر من كل عام وفق لما حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة «اليوم العالمي للقضاء على العنف على المرأة» فمن المفترض أن يكون الهدف من ذلك اليوم هو رفع الوعي حول مدى حجم المشكلات التي تتعرض لها المرأة حول العالم مثل الاغتصاب والعنف المنزلي وغيره من أشكال العنف المتعددة؛ وعلاوة على ذلك فإن إحدى الأهداف المُسلط الضوء عليها هو إظهار أن الطبيعة الحقيقية للمشكلة لا تزال مختفية
وقصة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء بدأ ت مع ثلاث شقيقات، هن باتريسيا وماريا وأنطونيا، وهن من عائلة ميرابال، كان والدهن رجل أعمال ناجح وكن يعشن حياة الطبقة الميسورة المستقرة.
تعرضن لعملية اغتيال وحشية في 25 نوفمبر 1960 في الدومينيكان، بأوامر من حاكمها وقتها رافاييل تروخيلو، بسبب كونهن معارضات سياسيا.
وبعد انهيار نظام تروخيلو، كرمت ذكرى الأخوات ميرابال، وقامت أختهن الرابعة المتبقية على قيد الحياة المسماة ديدي بتحويل المنزل الذي ولدن به لمتحف لشقيقاتها الراحلات يضم مقتنياتهن، إضافة للكتب والأفلام الوثائقية والسينمائية التي خلدت ذكراهن.
وتكريما للأخوات ميرابال اللواتي أصبحن رمزا للمقاومة والنضال والبسالة في مواجهة العنف ضد النساء، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1999 تخليد ذكراهن من خلال الاحتفال سنويا باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة بالتزامن مع يوم وفاتهن.
ويعتبر الشعار الرسمي لهذا اليوم هو «لوّن العالم بالبرتقالي إذ يمثّل اللون البرتقالي مستقبلاً مشرقاً وعالماً خالياً من العنف الموجّه على النساء والفتيات. وتتضمن الحملة للاحتفال باليوم الدولي لمنع العنف ضد النساء. 16 يوماً من النشاط، تبدا من ٢٥ نوفمبر حتي ١٠ ديسمبر من كل عام وتروي فيهم نساء عديدات قصصاً عن معاناتهن من العنف الموجّه، ويعملون على تمهيد الطريق لعالم أفضل، وأكثر أمان ومساواة.
يُعدّ العنف ضد النساء والفتيات واحدا من أوسع انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا واستفحالا في العالم. وتشير التقديرات العالمية إلى أنّ ما يقارب امرأة واحدة من كل ثلاث نساء تعرّضت، مرة واحدة على الأقل في حياتها، لعنف جسدي من شريك، أو لعنف جنسي.
وتفاقم هذا الوباء في سياقات مختلفة، لكن حملة هذا العام الخاصة باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة تُركّز على سياق بعينه: الفضاء الرقمي. فالعنف ضد النساء عبر المنصات الإلكترونية بات اليوم تهديدا خطيرا سريع التنامي يسعى إلى إسكات أصوات كثير من النساء، ولا سيما اللواتي يتمتعن بحضور عام ورقمي بارز في مجالات السياسة والنشاط المدني والصحافة.
وهذا شكلٌ متصاعد من أشكال العنف، تدفعه هشاشة الضوابط التِّقانية، وغياب الاعتراف القانوني بهذا النمط من الاعتداء في بعض البلدان، وإفلات المنصات الرقمية من المساءلة، وظهور أنماط جديدة سريعة التطور من الاساءات تُسهِم فيها الأنظمة الذكية، إلى جانب الحركات المناهضة للمساواة بين الجنسين، وسهولة التخفي أمام الضحايا، ومحدودية الدعم المقدم للضحايا في الفضاء الرقمي.
يُدشّن اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة كل عام حملة وتسعى حملة 2025 لإنهاء العنف الرقمي ضد النساء والفتيات إلى تعبئة جميع أفراد المجتمع: فالحكومات مطالبة بإنهاء الإفلات من العقاب بقوانين تجرّم هذا العنف، والشركات التِّقانية مطالبة بضمان سلامة المنصات وإزالة المحتوى الضار، والجهات المانحة عليها توفير التمويل اللازم لتمكين المنظمات النسوية من مكافحة هذا العنف، وأشخاص مثلكم مطالبون برفع أصواتهم دعما للناجيات.
ويشمل العنف الرقمي تجاه النساء عدد من المظاهر ومنها :
•الاعتداءات القائمة على الصور/ مشاركة الصور من دون موافقة — المعروفة غالبا بـ«الانتقام الإباحي» أو «تسريب الصور».
• التنمّر الإلكتروني والتصيد والتهديدات عبر الإنترنت.
• التحرش عبر الإنترنت .
• الصور العميقة التي تنتجها الأنظمة الذكية، مثل الصور المفبركة ومقاطع الفيديو أو الصوت المعدّلة رقميا.
• خطاب الكراهية والمعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي..
• الملاحقة أو المراقبة عبر الإنترنت لمتابعة أنشطة الشخص.
• الاستدراج عبر الإنترنت والاستغلال.
• انتحال الهوية و«الصيد الاحتيالي»
ولا تقتصر هذه الأفعال على الفضاء الرقمي؛ فكثيرا ما تقود إلى عنف في الواقع، مثل الإكراه والعنف، بل والقتل القائم على النوع الاجتماعي. وقد تطول الآثار وتُخلّف ضررا مستمرا على الناجيات.
ويستهدف العنف الرقمي النساء أكثر من الرجال في مختلف مناحي الحياة، ولا سيما اللواتي يتمتعن بظهور عام أو حضور قوي عبر الإنترنت — من ناشطات وصحفيات وسياسيات ومدافعات عن حقوق الإنسان وشابات.
وتتعاظم وطأة هذا العنف على النساء اللواتي يواجهن أشكالا متداخلة من التمييز، بما في ذلك على أساس العِرق أو الإعاقة أو الهوي
ورغم أن العالم الرقمي كان يفترض أن يفتح آفاقاً واسعة أمام النساء للتعلم والعمل والتواصل، فإنه تحول بالنسبة لكثيرات إلى فضاء مليء بالخوف والانتهاك، فالعنف الرقمي يتسع بسرعة مثيرة للقلق بفعل تطور أدوات الذكاء الاصطناعي وإخفاء الهوية وضعف التشريعات، وتشمل الانتهاكات التحرش الإلكتروني والملاحقة الرقمية والتشهير ونشر الصور من دون موافقة والتزييف العميق والتضليل الإعلامي الذي يستهدف تشويه السمعة أو ترويع النساء ودفعهن إلى الانسحاب من الحياة العامة.
فنحن حاليا أمام أزمة تتطلب عملاً عالمياً من خلال حملة عالمية سنوية تهدف إلى رفع الوعي وحشد الجهود من أجل القضاء على هذا النوع من العنف، و عمل عاجل لسد الثغرات القانونية على المستويات الوطنية والدولية، ولضمان مساءلة مرتكبي العنف سواء كان مادياً أو رقمياً، كما تدعو إلى تفعيل الشراكات مع منظمات المجتمع المدني وبناء إرادة سياسية حقيقية تحمي النساء وتعيد الاعتبار لأصواتهن.
وفي ظل عالم تتحرك فيه التكنولوجيا بسرعة هائلة وتتداخل فيه الحدود بين الحياة الرقمية واليومية، تصبح حماية النساء مسؤولية لا يمكن تأجيلها. فتوفير الأمن والكرامة للنساء ليس مطلباً حقوقياً فحسب بل هو شرط لبناء مجتمعات مستقرة واقتصادات مزدهرة وحياة إنسانية أكثر عدلاً.
مع ضرورة تكثيف مهارات بناء الوعي الرقمي والمعلوماتي بالطريقة التي تسمح للنساء بحماية أنفسهن من العنف الرقمي من جهة وأن يحافظ المجتمع علي سلامه وتوازنه وعدالته من جهة أخري من أجل التنمية الإنسانية والتقدم وهو لن يتحقق إلا حينما تتوافر العدالة والأمان لجميع أفراد المجتمع وفي مقدمتهم النساء التي يتلون لها العالم اليوم باللون البرتقالي أملأ في إشراقة شمس السلام والأمان وإنتهاء ظلام العنف . والكراهية…
فلنشارك معهم لمنع العنف الرقمي ضد النساء ونجعل اليوم العالم برتقاليا.

