د. منتصر الغضنفري
يقال – والله أعلم – إن السبب وراء طرح مجلس الوزراء لقانون التأمينات الاجتماعية بدلا من قانون التقاعد، ومن ضمن قانون التقاعد هذا قانون الخدمة الجامعية، مقترحات قدمها أو لعلها شروط فرضها البنك الدولي أو المقرضون بهذا الصدد، بسبب المبالغ الكبيرة التي تتضمنها فقرة التقاعد ضمن الميزانية السنوية العامة للدولة العراقية؛ وذلك لتخفيف العبء على الميزانية، حتى يستطيع العراق الإيفاء بالتزاماته تجاه البنك الدولي وسداد ديونه … ومن ثمة أتساءل: أفيُعقل أن يتساوى في هذا الإجراء / المقترح (الظالم) الذي قدمه مجلس الوزراء، الموظف الذي أفنى زهرة شبابه و جزءا من كهولته في خدمة الدولة العراقية بلا كلل ولا ملل، مع سواه ممَن جلس على كرسي من كراسي الفساد لسنوات أربع – في أقصى تقدير- إن لم يكن لأشهر، ( شَفَطَ أو قل: خَمَطَ ) خلالها ما استطاع إليه سبيلا من أموال الفقراء ؟ أيُعقل أن يتساوى في هذا الإجراء التعسفي من يتسلم 2 مليون دينار عن 40 سنة من الخدمة الفعلية، مع مَن يتسلم 15 مليون دينار عن أشهر – وأؤكد: عن أشهر – قضاها في غفلة من الزمن في منصبٍ لا يستحقه، ما أوصلته إليه إلا القوانين الفاسدة ( المُفَصّلة على مقاسات من وضعوها) والمحاصصة الطائفية المقيتة ؟ أيُعقل أن يُستقطَع من تقاعد الموظف أكثر من النصف – وربما الثلثان – وهو لا يملك مصدرا للدخل غيره وقد بلغ من العمر أعتاب الشيخوخة، مع مَن ضمن بالسرقة والتدليس والفساد ما يكفيه وورثته لأجيالٍ، بتقاعد أو بدونه ؟
ومما يزيد الطين بلة – كما يقال – أن هذا القانون ( التعسفي) بصيغته الحالية استثنى من بنوده المجحفة الرئاسات الثلاث وأصحاب الدرجات الخاصة، أي أزلام الــــــ( لانظام ) وأركانه الذين فرضتهم، مواقع وأشخاصا، السنة / البدعة التي تحكم العراق منذ الاحتلال الأمريكي سنة 2003، المتمثلة بالمحاصصة الحزبية، التي هي نسخة أشد قرفا و تشويها من المحاصصة الطائفية. وليتهم أكفاء وجديرون بما يتصدون له من مهام جسام ومسؤوليات خطيرة تتوقف عليها مصالح البلاد والعباد؛ فأغلبهم، إن لم أقل كلهم، لا يعنيه من الأمر إلا ما ينفع به حزبه وأقرباءه بعد نفْسِه وأهله طبعا، من شتى المنافع.
وإذا كان لابد من الاستثناء، بعد التعديل المنصف وإحقاق الحق الذي ينبغي أن يكون، إذا ما أُقِرّ هذا المقترح جدلا، فليس أولى به من الأستاذ الجامعي، الذي خَرّج الفئات كلها، التي شملها الاستثناء من قبل ومن بعد – هذا إن كانت شهاداتهم صحيحة وغير مزورة أصلا -، فهو القدوة والرمز والعنوان، وعلى هذا الأساس لا يجب أن يُعامَل، بل أن … يُحتفى به.
فيا أولي الأمر.. اتقوا الله الحق العظيم وأدوا الأمانة كما أمركم؛ فإجراؤكم هذا خطوة أخرى – فضلا عن خطوات تسيرون عليها – نحو خراب هذا البلد. وما عدنا ندري أخطواتكم هذه عن جهل ورعونة، أم عن عمدٍ تنفيذا لأجندات خارجية لقاء مقابل أقل ما يقال فيه – مهما كانت قيمته المادية – إنه خيانة عظمى للوطن والــــــــ( أمانة) لو كنتم – كما تدّعون – مؤمنين.