قانون النّفقة الجديد يحيّر الجزائريّين… يكبح الطّلاق أم يشجّعه؟

2

محكمة جزائرية.


مشاكل كثيرة تعرفها الكثير من الأسر الجزائرية وتتفاقم خلال رمضان، إذ تكثر الصدامات الزوجية لأسباب عديدة، منها ما كان قائماً بالفعل ليصل “قمته” خلال الأيام الأولى للشهر، ومنها ما سببته “انفعالات” الصيام حسب تعبيرات كثيرين. وهذه المشاكل أعادت إلى الواجهة ملف الطلاق في البلاد وتعقيداته الكثيرة.
أرقام مهولة… وأسباب تافهةوتشير أرقام الطلاق في الجزائر إلى تصدع في النسيج الاجتماعي، إذ ما فتئت تزيد نسبها من سنة إلى أخرى، لتعرف ذروتها خلال السنوات الأخيرة. وتحصي البلاد ما يربو عن 45 ألف حالة طلاق سنوياً، بواقع 240 حالة يومياً و10 حالات في الساعة، علماً أنها بلغت 100 ألف حالة طلاق سنتي 2020 و2021، ووصلت إلى 68 ألف حالة طلاق سنوياً في 2019. أرقام مهولة تحتاج لتمحيص معمق ودراسة دقيقة بحثاً عن الحلول التي تعيد للأسرة الجزائرية تماسكها. وحسب وزارة العدل الجزائرية، فإن الظاهرة تفاقمت بين الأزواج من الفئة العمرية بين 28 و35 سنة، وهم المتزوجون حديثاً. أمر يؤكد عدم التوافق لدى الأجيال الجديدة من الشباب والفتيات على الرغم من كونهم جيلاً لم يتزوج إلا بعد تعارف ولقاءات على الأغلب، تقول المحامية مريم سيدهم، وتضيف أن “الكذب والمراوغة سمات أزواج اليوم قبل العرس، أما بعد العرس فيظهر السقف الواحد ما لم تظهره عشرات اللقاءات بينهما”. وتؤكد سيدهم أن وسائل التواصل الاجتماعي زادت الطين بلة “بل أضحت مرتعاً خصباً لتعارف يبدأ ببهرجة إلكترونية مليئة بالكذب، ليمر إلى زواج غير متوافق وينتهي بطلاق لأسباب تافهة مثل كسل الزوجة في أيام رمضان أو نوم الزوج طيلة النهار…إلخ؛ باستثناء بعض التجارب الناجحة التي لا تغطي على ما أفسدته التجارب الفاشلة”. وخلصت المحامية إلى أن أسباب الطلاق في الجزائر باتت في أغلبها تافهة وليست في مستوى “الميثاق الغليظ” الرابط بين الزوجين. وتلفت سي عبد الله في حديثها لـ”النهار العربي”، إلى “انعدام أساسيات المسؤولية الأسرية لدى الكثير من شباب اليوم وشاباته، بخاصة لدى أولئك الذين يدخلون قفص الزواج في سن مبكرة جداً، لا تسمح لهم بتحمل مسؤولياتهم العائلية حيال الشريك”. وفي هذا الشأن تقول إبتهال (22 عاماً)، وهي أستاذة في الإعدادي ومتزوجة منذ 3 سنوات: “زوجي يريد أن أكون مجرد دمية، أكنس وأطبخ وأعمل وأنام فقط! لم أكن أدرك ساعة تعارفنا بأنه عديم الإحساس بالآخر؛ إنه لا يفكر إلا في نفسه وكأني غير موجودة. تخيل أني أحضر مائدة الإفطار، يجلس عند أذان المغرب، يفطر ويأكل بشراهة ثم يغادر دون لفتة منه إليّ؛ الأدهى من ذلك أني بت رجل البيت وسيدته في آن، بخاصة أني عاملة ولديّ راتبي الشهري؛ زوجي لا يعير اهتماماً لأدنى المتطلبات، لذا فإني مللت وقررت التفكير جدياً في الانفصال بعد رمضان”. قانون النفقة الجديد… “تشجيع” للطلاق؟دخل بداية العام الجاري قانون جديد للنفقة حيز التنفيذ، وهو يسمح للمطلقات وأطفالهن الذين لم يحصلوا على النفقة من مطلقيهم، تلقي ما سمّاه القانون “مستحقات مالية” كل شهر، تدفعها خزينة الدولة. القانون رافقه بعض الجدل، بين مرحب ومستنكر. ترحيب لتقليص قضايا النفقة عبر المحاكم وسد رمق النساء المطلقات وأبنائهن، واستنكار بحجة “التشجيع” على مزيد من حالات الطلاق. ويقول متابعون إن خزينة الدولة ما فتئت تتحمل تبعات مالية اجتماعية قد تعود عليها سلباً، وتصرفها في قضايا الطلاق والنفقة التي تتضاعف أعدادها من سنة لأخرى، داعين إلى ضرورة إكراه الزوج إن تطلب الأمر على دفع نفقة مطلقته وأبنائه بقوة القانون ومهما كانت حالته. ويؤكد محامون أن إجراء دفع الدولة لنفقة المطلقة سيفضي إلى مزيد من حالات الطلاق، إذ لا يكون تفكير الزوج منصباً على كيفية دفع النفقة في هذه الحال، وهو الذي كان يتريث في الإقدام على خطوة الطلاق فقط من أجل توفير أمواله وعدم دفعها لمطلقته. أما آخرون فيستندون إلى الأحكام العرفية التي سادت في المجتمع الجزائري لأزمنة وعقود كثيرة، إذ كان الزواج بمثابة الميثاق الأبدي الذي لن ينقطع مهما حدث، حيث يتحمل الزوج والزوجة أحدهما الآخر مهما تكن الظروف، لتفضي إلى علاقة أسرية أبدية لا تزول بزر هاتف أو بغضب “رمضاني” عابر أو بأي حدث طارئ. من جانب آخر، تقول المحامية فريدة سي عبد الله إن قانون النفقة الجديد يهدف أساساً إلى ضمان مورد عيش للأطفال المحضونين والنساء المطلقات، وهذا في حالات عجز الزوج المطلق عن دفع مبلغ النفقة أو امتناعه أو عدم معرفة مكان إقامته مثلما ينص القانون، مشيرة إلى أن النص ذاته يلفت إلى أن دفع الدولة للمستحقات المالية للنفقة لا يُسقط التزام الزوج بدفعها ولا يحول دون متابعته قضائياً؛ وبالتالي فإن “المشرع لا يهدف بهذا النص إلى تشجيع الطلاق بل يكبح جماحه ويلبي حاجة النساء المطلقات وأبنائهن إلى مبلغ مالي يفي بغرض العيش الكريم”.

التعليقات معطلة.