ـ جورج عيسى
أدت الأعمال العدوانية الأخيرة بين الهند وباكستان إلى ادعاء كل منهما النصر، بدون وجود أدلة علنية كافية لأي من الادعاءين.
يعتمد النجاح في النهاية على توازن القتال نفسه
مع ذلك، كانت الصين إحدى الدول التي يمكن أن تقدم أسباباً واقعية للشعور بالنصر، وبخاصة صناعة الأسلحة فيها. فقد شهدت شركة “أفيك تشنغدو للطائرات”، ومقرها جنوب غرب البلاد، ارتفاعاً في سعر سهمها بنسبة 40% في خمسة أيام فقط عقب القتال، بحسب صحيفة “ذا تايمز” البريطانية.
وفي تفاصيل نادرة شبه مؤكدة عن الصراع، والذي أبقى المشاركون فيه خسائرهم سرية، أسقطت مقاتلة باكستانية صينية الصنع من طراز J-10C طائرة رافال فرنسية يقودها سلاح الجو الهندي، علماً أن المقاتلة الفرنسية أرخص بكثير. تُصنع شركة “أفيك تشنغدو” طائرة J-10C وقد قوبلت “نتيجتها” ضد رافال بموجة من الحماس الوطني في جميع أنحاء الصين.
لحظة اختراق
كتب هو شيجين، المعلق القومي البارز: “سيمثل هذا أحد أكثر العروض الواقعية إقناعاً للأسلحة الصينية على الساحة العالمية، ولحظة اختراق في صناعة الدفاع الصينية”.
وأضاف أن إسقاط طائرة غربية بواسطة طائرة صينية – وهي طراز قديم نسبياً تفوقت عليه بالفعل طائرة J-20 العاملة حالياً وطائرة J-35 التي تخضع للتجارب النهائية – أطلق تبعات مصيرية على أي حرب مستقبلية حول تايوان. وقال إن على تايوان أن تشعر “بالخوف”.
لقد انتبهت تايوان لهذا الأمر. صرح شو هسياو هوانغ، من معهد تايوان لأبحاث الدفاع الوطني والأمن، في حديث إلى وكالة بلومبرغ: “قد نحتاج إلى إعادة تقييم قدرات جيش التحرير الشعبي القتالية الجوية، والتي قد تقترب أو حتى تتجاوز مستوى انتشار القوات الجوية الأمريكية في شرق آسيا”.
لكن ما يثير حماسة الاستراتيجيين الصينيين بنفس المقدار هو إمكانية أن يكون ذلك دعاية لصناعة الأسلحة التصديرية الصينية.
في حين أن كلاً من الصين والولايات المتحدة وحلفائها يستخدمون الآن طائرات “الجيل الخامس” الأكثر تطوراً من الصناعة الصينية J22 والصناعة الأمريكية F22 وF35، يبقى أن التكنولوجيا الحديثة، وإن لم تكن فائقة التطور، مطلوبة من “القوى العسكرية الثانوية”.
سنوات صعبة
باعت أمريكا طائرات إف-16 حول العالم. بالرغم من هيمنتها على أسواق التصدير، فشلت الصين في اللحاق بالركب في مجال الطائرات النفاثة وغيرها من المعدات العسكرية. فمن عام 2019 إلى العام الماضي، احتلت الصين المرتبة الرابعة فقط في إجمالي مبيعات الأسلحة خلف أمريكا، أكبر مُصنّع للأسلحة في العالم بفارق كبير، وفرنسا وروسيا، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
في الواقع، انخفضت حصة الصين قليلاً خلال الأعوام الخمسة السابقة. علاوة على ذلك، يهيمن على سوقها بلد واحد هو باكستان. كانت أمريكا تزود إسلام آباد في السابق، لكن وسط خلافات عديدة حول مزاعم الإرهاب ودعم باكستان لحركة طالبان في أفغانستان، تحولت بشكل كبير إلى بكين.
الوضع يتغير
الآن، قد تشعر دول أخرى في الشرق الأوسط، وبخاصة تلك الموجودة في أفريقيا، بالإغراء كي تحذو حذوها. مؤخراً، أجرت مصر التي غالباً ما تختلف مع “حليفتها” ومزودتها الأمريكية بالأسلحة أول مناورة جوية مشتركة لها مع الصين، والتي تُوجت بتحليق طائرات J-10C فوق الأهرامات.
كتب يو زيوان في صحيفة ليانهه زاوباو الصينية في سنغافورة: “بصرف النظر عن القيود الجيوسياسية، إن سبباً رئيسياً وراء ضعف أداء الصين في تصدير أسلحتها المتقدمة هو عدم وجود إثبات حقيقي على (فاعليتها) القتالية”.
وأضاف: “من المرجح أن يعزز الأداء المتميز للأسلحة الصينية العالية التقنية، مثل J-10C في الاشتباك الأخير بين الهند وباكستان، الاعتراف الدولي بالأسلحة الصينية والثقة بها. وهذا بدوره، يمكن أن يعزز بشكل كبير آفاق الصين في تجارة الأسلحة العالمية”.
علاقة ثنائية الاتجاه
بما أنها تتمتع الآن باستثمارات صينية ملحوظة في البنية التحتية، تمثل باكستان “واجهة متجر” رئيسية لعلاقات الصين الدولية والتسويقية.
وقال أنطوان لوفيسك، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: “بالنظر إلى العلاقات الاستراتيجية الحقيقية بين البلدين، توصف باكستان أحياناً بأنها منصة اختبار أو مرحلة أولى أو سوق تجريبية لتقنيات ومنتجات الصين التي تنوي الصين نشرها لاحقاً أو تصديرها إلى مناطق أبعد”.
وأشارت ورقة بحثية حديثة للمعهد إلى أن العلاقة كانت ثنائية الاتجاه إلى حد كبير. أفادت التقارير أن باكستان زودت الصين بتكنولوجيا عسكرية أمريكية لأغراض “الهندسة العكسية”.
قدرات بارزة
زعمت باكستان تدمير ثلاث طائرات رافال، لكن مصادر أمريكية وفرنسية أكدت تدمير طائرة واحدة فقط في الإحاطات الإعلامية. أياً كان الأمر، فإن بعض قدرات طائرة J-10C المعروفة مثيرة للإعجاب بلا شك وفق الصحيفة نفسها.
يقال إن طائرة J-10C التي يبلغ سعر تصديرها نحو 40 إلى 50 مليون دولار أمريكي، مقارنة بأكثر من 200 مليون دولار لطائرة رافال، تتمتع بقدرات رادار قوية ذات “مصفوفة مسح إلكتروني نشط”.
وهي مزودة بصواريخ PL-15 بعيدة المدى، يُزعم أن أحدها أسقط طائرة رافال فوق الهند بدون أن تغادر الطائرة الباكستانية مجالها الجوي.
مع ذلك، لا توجد معلومات قاطعة عن نتائج المعارك الجوية بين باكستان والهند، باستثناء أنها كانت مهمة.
احتمالات
من الناحية الفنية، ربما كانت طائرة J-10C تعمل بأنظمة إنذار مبكر وتحكّم محمولة جواً، مما يمكنها من استهداف الأعداء بدون الاعتماد فقط على رادارها. كان لدى باكستان نظامان متقدمان، أحدهما صيني والآخرهو إيرياي تبيعه شركة ساب السويدية، ولكن لم يكن واضحاً أيهما شغلته باكستان أو كيفية دمج النظامين.
قال المتخصص في القوات الجوية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة جاستن برونك لصحيفة التايمز: “من المعلومات المتاحة للعامة، لا يمكن استخلاص استنتاجات مفصلة حول الأداء النسبي للسلاح أو الطائرة”. وأضاف: “السياق الأوسع، وحتى تفاصيل كيفية وسبب فقدان طائرة رافال، غير متوفرة”.
يعتمد النجاح في النهاية على توازن القتال نفسه. قد يعتبر الجانب الهندي خسارة طائرة رافال، وربما طائرتين روسيتين قديمتين، ثمناً زهيداً إذا ما حققت قواته الجوية ككل النجاحات الساحقة التي يدعيها ضد القواعد العسكرية الباكستانية. لم تؤكد الهند خسائرها، لكنها قالت إنه لم يُقتل أي طيار. كما أثيرت تساؤلات حول التكتيكات التي استخدمتها الهند، إذا كانت قد نشرت رافال كقاذفة ومقاتلة في آن، مما تركها مكشوفة.
رواية باكستان
قال لوفيسك: “في صراع الروايات التي تهيمن على التقييمات العسكرية لأداء الهند وباكستان، ستهم رواية باكستان الدول التي تشتري بالفعل أسلحة صينية أو تفكر في شرائها”.
وأضاف: “لا تزال العديد من الحقائق المتعلقة بالمعدات الأجنبية المنشأ المستخدمة في مايو (أيار) 2025، ناهيكم عن القدرات الأوسع التي مكنتها، غائبة لدى كلا الجانبين. لذا، قد يكون من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات بشأن آفاق السوق من الصراع، بما في ذلك ما يتعلق بأسلحة الصين”.