عمر الردّاد
على الرغم من أهمية قرار مجلس الأمن، الذي صدر بالأمس ، والمتضمن الدعوة لوقف إطلاق النار، في إطار هدنة مدتها شهر، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة،وخاصة في الغوطة وكفريا والفوعا، إلا أن هناك مخاوف “مبررة” من خرق هذا القرار من قبل كافة الأطراف ” النظام السوري وحلفاؤه من جهة وفصائل المعارضة المسلحة وحلفاؤها من جهة أخرى”، بوصفه قرارا “هشا” قابلا للكسر تم خرقه بعد ساعات من صدوره.
فقد جاء القرار في سياقين بارزين وهما الأول: صور الدماء وأشلاء الأطفال نتيجة قصف الغوطة ، والتي وضعت كافة الأطراف بموقف محرج ، في ظل ضغوط على المجتمع الدولي للتحرك ووقف تلك المجازر، في إطار مقاربة سورية – روسية إنهما يقاتلان الفصائل الإرهابية ، وخاصة هيئة تحرير الشام والنصرة، ومقاربة دولية مضادة بان ما يجري جريمة حرب ضد الإنسانية، والثاني:أن القرار صدر بعد جهد ، ومماطلة من قبل الجانب الروسي،استمرت لأكثر من أسبوع ،بما أتاح للجانبين السوري والروسي مزيدا من الوقت لمواصلة القصف المكثف على الغوطة.
إن التجربة في الالتزام بمناطق خفض التوتر التي أنجزتها مؤتمرات إستانا في مختلف مناطق سوريا ، والاتهامات المتبادلة بخرقها من قبل الفصائل المسلحة ،والجيش السوري وحلفائه، ومواصلة قصف الغوطة بعد ساعات من صدور قرار مجلس الأمن ، تجعل التفسيرات التي تقول إن قرار مجلس الأمن لا يعدو أن يكون منطقة خفض توتر جديدة لكنها “موسعة” وبمشاركة أطراف دولية جديدة ،تتجاوز الأطراف الضامنة لأستانا “روسيا ،تركيا وإيران” وان احتمالات خرق القرار هي الأرجح ،تفسيرات مشروعة ، تؤيدها الوقائع والتجارب.
بنود القرار البالغة (13)بندا ، تتضمن أسباب تفجير القرار ونسفه ، وبعيدا عن الإجابة حول الطرف الذي حقق انتصارا بصدور القرار ، إن كان النظام السوري وحلفاؤه أم خصومهما، فان ربط دخول المساعدات للمناطق المنكوبة بموافقة الحكومة السورية ، واستثناء داعش والقاعدة ، وأفراد وكيانات ومتعاونين معهما ، ومجموعات أخرى محددة في قوائم مجلس الأمن ، والتفسيرات المحتملة والخلافات حول تحديد من هو الإرهابي في سوريا،كلها ستجعل الالتزام بالقرار وتطبيقاته موضع شكوك عميقة،فكل المعارضة من وجهة نظر السلطة السورية إرهابية.
إن ما يدفعنا إلى التقليل من شان القرار، وأسباب اختراقه وعدم الالتزام به كثيرة ، إن لجهة آليات تطبيقه ، أو للسياقات التي أنتجته ،ولعل في مقدمة تلك السياقات أن القرار جاء في بيئة دولية لا تعكس رغبة الأطراف الدولية في وضع حد للمأساة السورية وإيجاد حلول مقبولة لها ، حيث عكست مداولاته و”المماطلة” الروسية ،تطلعات كل طرف لتحقيق مكاسب آنية ودائمة في إطار “المغالبة” وكسب الوقت ،وهو ما جعله “محطة” وليس حلا ، هذا بالإضافة إلى أن أطراف الصراع ،المحلية والإقليمية والدولية ، لم تنجز خططها النهائية المتناقضة في سوريا ، فوحدة الأراضي السورية ما زالت موضع خلاف ، في ظل إشارات أمريكية حول خطتها الإستراتيجية بتقسيم سوريا، فيما تتطلع روسيا لتواجد دائم في سوريا يضمن مصالحها لتثبيت القطبية الدولية الجديدة ، كما أن القبول باستمرار الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا ما زال موضع حوار، رغم الأجواء الدولية التي تشير للقبول بسلطته لمرحلة انتقالية ، فيما تركيا لم تضمن ما يهدئ من مخاوفها بانجاز إستراتيجيتها بالحيلولة دون إقامة كيان كردي على حدودها ،يشكل تهديدا لأمنها القومي، خاصة في تجاهل أمريكي للطلبات التركية بوقف دعم الأكراد ،أما إيران فمن الواضح أنها لن تتخلى عن “المكاسب” التي حققتها في سوريا ووصولها إلى الحدود الإسرائيلية ، وهو ما تهدد إسرائيل بأنه خط احمر لأمنها القومي، وربما الحاضر الغائب في كل هذه المعادلة الشعب السوري،الذي أصبح بلا مقعد على طاولات حوار القضية السورية، المحلية ،الإقليمية والدولية.
مؤكد أن القرار سيكون مرجعية في المؤتمرات والمحافل التي تبحث القضية السورية ،وخاصة مؤتمري إستانا وجنيف القادمين،ومؤكد أن الحوار حوله سيتركز لاحقا حول الخروقات له ،والأطراف المسؤولة عن ذلك ،وبالتالي العودة للمربع الأول، وهو ما يؤكد انه بدون توافق دولي، وخاصة بين أمريكا وروسيا، فلن يكون هناك حل في سوريا، حتى لو استمر نهر الدم السوري لسنين أخرى.