عانت البريطانية آنا هيل طيلة ما يزيد على 9 سنوات من صداع نصفي “ميغران” Migraine منهك. وقد اختفت جميع أعراض تلك الحالة بعد خضوعها لعملية جراحية محفوفة المخاطر.
لم يكن أمام الآنسة هيل سوى البحث عن وسيلة للحدّ من هذه المعاناة، لاسيما بعدما أخبرها أطباء الأعصاب أن حالتها، التي تسببت ذات مرّة في معاناتها نوبة صداع نصفي استمرت 94 يوماً، لا تفسير لها. وبعدما وصلت إلى درجة اليأس، قررت جمع التبرعات لإجراء عملية جراحية لإزالة كيس دماغي حميد.
يُعتبر هذا العلاج “غير مسؤول” من قبل معظم الجراحين، لكن تجربة سريرية جديدة أجرتها هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) وجدت أن 9 من كل 10 مرضى أصبحوا في حال أفضل بعد إجرائها.
وتوضح آنا أنها تمكنت “من العودة للعمل مرّة أخرى، وممارسة الرياضة والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية. إنها أمور لم أكن قادرة على ممارستها قبل ذلك”.
“كنت طريحة الفراش طوال الوقت“
بدأت عوارض آنا للمرّة الأولى في سن المراهقة، حينما عانت من الصداع النصفي، ونوبات غثيان، ودوار، وطنين الأذن، وضبابية في التفكير، مما جعلها غير قادرة على الاستمرار في أي وظيفة.
وفي حديث لها مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، تسترجع معاناتها وتقول “قضيت معظم وقتي في السرير محاولًة النوم للتغلّب على الألم في رأسي”. وتضيف أن أكثر ما أقلقها تمثّل بنوبات الصداع التي تشعر خلالها وكأنما “فقدتُ ذاتي”.
ونتيجة ذلك، خضعت آنا لفحص دماغي كشف عن وجود كيس صغير من النوع الحميد. وللحصول على دعم معنوي أكبر، انضمّت آنا إلى مجموعة دعم لمرضى أكياس الغدة الصنوبرية، والتي تكوَّنت في الغالب من شابات يعتقدن أن تلك الأكياس هي السبب وراء الأعراض المنهكة التي يعانين منها.
وكذلك نجحت هيل في جمع مبلغ 36 ألف جنيه إسترليني للسفر إلى ألمانيا لتلقّي العلاج على يد جراح الأعصاب البروفيسور هنري شرودر من مستشفى “جامعة غرايفسفالد”، وذلك في عام 2018.
وآنذاك، ادّعى البروفيسور شرودر أنه أجرى 48 عملية جراحية مماثلة مع نسبة نجاح بلغت 94 في المئة. في المقابل، يعتقد البروفيسور أليستر جينكينز، من “جمعية جراحي الأعصاب البريطانيين”، أن هذه العمليات “غير مسؤولة”.
وبحسب رأيه، “هناك حوالى 40,000 جراح أعصاب في العالم. وأعتقد أن حقيقة استعداد 6 منهم لإجراء هذه العمليات، أعتقد أنها تقول الكثير عن الإجراء نفسه بأكثر مما تخبِر عن كفاءة هؤلاء الجراحين”.
وحذّر من أنه لا ينبغي إزالة كيس الغدة الصنوبرية إلّا في ظروف نادرة للغاية، ويعتقد أن النتائج الناجحة للعمليات يمكن تفسيرها بـ “تأثير الدواء الوهمي”.
وبعد فترة تعافٍ طويلة، أفادت الآنسة هيل “أن حياتها عادت الآن إلى طبيعتها. لا يمكن أن أنسى أسوأ ما حدث في حياتي، أي اليوم الذي عانيتُ من صداع نصفي استمر لمدة 94 يوماً. ولم يكن هناك أي شيء قادر على تخفيف الألم، حتى المسكنات القوية”.
وتشير إلى أنه “حينما أُجريَتْ المقابلة الأولى كنتُ طريحة الفراش تقريباً طوال الوقت. ولكن، أنا اليوم قادرة على العمل وممارسة الرياضة ثلاث مرّات في الأسبوع وقضاء الوقت مع أصدقائي”.
تقييم الأثر الفعلي للجراحة
أنهى مستشفى “دينبروكس” في كامبريدج أخيراً تجربة سريرية على 40 مريضاً يعانون من أكياس الغدة الصنوبرية، في محاولة للإجابة عن سؤال عن التأثير الفعلي لتلك الجراحة، وتمييزهِ عن تأثير الدواء الوهمي.
قاد الدراسة جراح الأعصاب البروفيسور توماس سانتاريوس. وقد شملت تقييم المرضى من قبل متخصصين متنوعين، مع توثيق أعراضهم قبل العملية وبعد مرور ثلاث سنوات عليها.
وأكّد البروفيسور سانتاريوس أن “الدراسة أظهرت أن العلاج فعّال وآمن. وأفاد حوالي 90 في المئة من المرضى أنهم في حالة أفضل بشكل عام بعد عام من الجراحة. ويبدو أن هذه الفائدة تستمر حتى آخر متابعتنا لهم التي امتدت في المتوسط إلى ما بعد ثلاث سنوات من الجراحة”.
وكذلك رأى البروفيسور ريتشارد نيلسون، جراح الأعصاب السابق الذي قاد تطوير “معهد العلوم العصبية السريرية” في بريستول، أنه “من المبالغة القول بإمكانية الوصول إلى تأثير دواء وهمي بنسبة 90 في المئة. وأعتقد أن هذا يشير إلى أنه يجب أن تكون هناك بعض الآليات الكامنة وراء التحسّن، خصوصاً لدى المرضى الذين جرى اختيارهم في تلك الدراسة”.
تجربة أخرى وبارقة أمل
تنقل المحامية في بريستول، كارا ويليامز (36 عاماً) تجربتها، بعدما خضغت للجراحة نفسها في عام 2019. تتذكر جيداً بعد بضعة أيام من العملية، كيف “أفادت والدتي، وأيّدها زوجي، إنه من خلال النظر في عيني، بدا لي أنني عدتُ إلى طبيعتي. ولقد شعرتُ بذلك. وأحسست أن هذا الضغط الهائل قد رُفِع عن دماغي”.
ووفق حديثها ،”لقد استعدتُ حياتي مرّة أخرى. ومن دون تلك الجراحة لكنت غير قادرة على إنجاز الأشياء التي فعلتها في السنوات الأخيرة”.
كذلك كشفت النجمة دافينا مكول أخيراً، أن الأطباء اكتشفوا كيساً فيه سائل يشبه الغراء، في دماغها، خلال فحص روتيني، مما سلّط الضوء على قدرة هذه الفحوصات في اكتشاف التغييرات المرضية البسيطة.
لكن البروفيسور جينكينز حذّر من إغراء ربط أي أعراض بهذه الأكياس، مثل الصداع والدوار، “لأن ذلك لا يُعبِّر عن الحالات كلها”.
الجراحة ليست من دون مخاطر
ويشرح جينكينز أن “بعض تلك الاضطرابات شائعة جداً، لكنها نادراً ما تسبب أي مشاكل. وبالتالي، من الضروري وجود آلية معقولة تربط الأعراض مع الفحوصات، بالإضافة إلى نسبة منطقية من توقع أن تؤدي الجراحة إلى حل هذه الأعراض”.
كذلك شدّد حينكينز على أن “الجراحة، بالطبع، ليست من دون مخاطر. وعلى غرار الجراحات كلها، يجب أن يكون خطر إجراء العملية أقل من خطر الامتناع عن ذلك”.
وأضاف أن “أعراض أكياس الغدة الصنوبرية يمكن أن تحدث، حينما يكبر يكفي لعرقلة مرور السائل الذي يدور باستمرار بين الدماغ والحبل الشوكي. في تلك الحالة، قد يرتفع الضغط داخل الرأس، مما يسبب الصداع وأحياناً مشاكل أكثر خطورة. وحينئذ، يعرض الجراحون على الشخص خيار الجراحة”.
وشدّد جينكينز على “أن الجراجين لن يعرضوا على المرضى خيار تلك الجراحة الحرجة، إلّا إذا وصلت أعراضهم إلى درجة الخطورة. وعلى العكس من ذلك توجد معلومات كثيرة ومختلفة على الإنترنت تحفز من لديهم أكياس الغدة الصنوبرية على طلب الجراحة من أجل أعراض بسيطة” .
ويوضح أن “بعض الجراحين مستعدون لإجراء تلك العملية الجراحية [من دون وصول الأعراض إلى مرحلة الخطورة]. تبدأ الإشكالية من هذه النقطة، لأن عملية الأكياس العميقة لا تخلو من مخاطر كبيرة”.