قصف «قلعة بوتين» يقوض الانتصار

1

رائد جبر
عندما وصف الرئيس فلاديمير بوتين قاعدتي حميميم وطرطوس بأنهما «قلعتان» لحماية مصالح روسيا، كان يبدو مطمئناً لحجم الانتصار الذي تحقق في سورية. بالغ في ثقته مستنداً إلى التقارير اليومية التي تقدمها وزارة الدفاع. لكن فكرة «إنجاز المهمة» التي تم الترويج لها بكثافة في روسيا، سرعان ما تبدد مفعولها على وقع انفجار الوضع الميداني على أكثر من جبهة. ومن غوطة دمشق إلى معركة إدلب الكبرى، إلى تداعيات الموقف الناشئ في الجنوب السوري، يبدو المشهد في مناطق «خفض التوتر» على النقيض من اسمها.
 
السؤال هنا ليس عن أسباب التصعيد. فهو كان متوقعاً على خلفية وصول مسار جنيف إلى حائط مسدود، والعقبات القوية التي تعترض توجه موسكو لفرض خطتها للتسوية السياسية في سوتشي. كما أن تحديد المهمة الرئيسة في 2018 في «سحق جبهة النصرة» وفقاً لتشديد الوزير سيرغي لافروف، يعكس تبني موسكو الكامل لوجهة النظر الإيرانية القائمة على ضرورة استكمال الحسم العسكري قبل العمل على استئناف المفاوضات. خلافاً لتأكيدات سابقة بأن الجزء النشط من العمليات العسكرية انتهى.
 
تحت شعار مواجهة جبهة النصرة يتم تدمير البنى التحتية للفصائل المسلحة، وسط تغافل روسي متعمد عن أن هيئة تحرير الشام تضم عشرات المجموعات الأخرى، كما أن القصف المركز خلال الأيام الماضية طاول مناطق واسعة لا وجود فيها أصلاً للنصرة.
 
المشهد الميداني الحالي يقوّض عملياً اتفاق مناطق خفض التوتر، مع كل ما يلي ذلك من أسئلة حول جدوى جولات المفاوضات الطويلة في آستانة.
 
هذا يعني انتهاء مهمة المسار الذي فرضته موسكو بالتعاون مع شريكيها التركي والإيراني، علماً أن الاتفاق كان يعد النتيجة الوحيدة الملموسة له، بعدما تم تدريجاً تفكيك مطالب المعارضة المتعلقة بالمعتقلين والأوضاع الإنسانية والملفات الأخرى التي ظلت معلقة. ناهيك بغياب أي دور حقيقي للمعارضة أو الحكومة، واقتصار المفاوضات خلال الجولات الأخيرة على الأطراف الضامنة التي حوّلت آستانة إلى منصة لمناقشة مناطق نفوذها ومحاولة تذليل الخلافات بينها.
 
لكن ماذا بعد التصعيد، وإعادة رسم خرائط سيطرة النظام في إدلب وغوطة دمشق؟ ثمة قناعة لدى أطراف وازنة في موسكو بأن الحسم الميداني وحده لن ينضج الظروف لتسوية سياسية جدية، مهما عزز من أوراق النظام التفاوضية. وأن التوصل إلى تفاهمات مع أطراف إقليمية مؤثرة ومع واشنطن ما زال بعيداً. ما يعني أن سقف الآمال المعلقة على سوتشي لا يصل إلى درجة إطلاق حوار سياسي جدي، بمقدار ما يقتصر على محاولة ترجمة الخريطة الميدانية على تمثيل المعارضة، وإطلاق مسار طويل ومتشعب يعقد الموقف أكثر أمام جهود إحياء المفاوضات في جنيف.
 
في هذه الأجواء، تحمل الضربات التي تعرضت لها قاعدة حميميم دلالات خطرة بالنسبة إلى موسكو.
 
ومع الأهمية الرمزية لقصف «قلعة بوتين»، فإن التطور يشير إلى بدء مرحلة جديدة في المواجهة غير المباشرة مع واشنطن المتهمة من جانب روسيا بأنها سلمت تقنيات جديدة إلى فصائل معارضة ساعدتها في صناعة القنابل الطائرة وتوجيهها. خطورة التطور لا تقتصر على مجال الطائرات المسيرة الذي يبلغ 50 كيلومتراً ما يعني أن خطط توسيع المنطقة الآمنة حول القاعدة لتبلغ 15 كيلومتراً (خمسة كيلومترات حالياً) لن تكون مجدية وحدها. الأسوأ من ذلك أن الضربات انطلقت من مناطق سيطرة الحكومة السورية، ما يعزز مخاوف موسكو التي حذرت أكثر من مرة سابقاً من تدني القدرات العسكرية والأمنية للنظام. كما أن عدم إعلان أي فصيل سوري مسؤوليته عن الهجوم يفاقم المخاوف لأنه يعني أن ثمة تحضيرات لضربات أخرى قد تكون أشد إيلاماً. ما يفتح على توقعات متشائمة بأن المعركة التي يتم حسمها ميدانياً في هذه الأيام، لن تساعد بوتين كثيراً على تجديد خطاب الانتصار.

التعليقات معطلة.