علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
بغير ما أمل مصطفى الخالدي وعمر فروخ في مقدمة الطبعة الثانية من كتاب «التبشير والاستعمار» التي كتباها بتاريخ 13 مايو (أيار) 1956، من أن كتاب «الغارة على العالم الإسلامي» قد انتهى وقته، وأنه بعد صدور كتابهما قد استنفد غرضه، كانت طبعاته بعد ذلك التاريخ تتوالى في الصدور. وظل الإسلاميون – لعقود طويلة – في تناولهم لموضوع التبشير يتعاملون مع كتاب «الغارة على العالم الإسلامي» على أنه رديف لكتاب «التبشير والاستعمار» لا يغني أحدهما عن الآخر!
زج المستشرقين بكتاب «التبشير والاستعمار» على أنهم موضوع من موضوعاته في تاريخ قديم جداً، نلقاه في مقال كتبه مصطفى السباعي في مجلة «حضارة الإسلام» السنة الثانية، العدد التاسع، مارس (آذار) 1962، كان عنوانه «مع المستشرقين: الاستشراق والمستشرقون: أهداف الاستشراق ووسائله».
يقول السباعي في هذا المقال: «وقد جاء في كتاب (التبشير والاستعمار) للدكتورين عمر فروخ ومصطفى الخالدي، وهو من أهم الوثائق التاريخية عن نشاط المستشرقين والمبشرين لخدمة الاستعمار ما يلي: يعلن المبشرون أنهم استغلوا الصحافة المصرية على الأخص للتعبير عن الآراء المسيحية، أكثر مما استطاعوا في أي بلد إسلامي آخر. لقد ظهرت مقالات كثيرة في عدد من الصحف المصرية، إما مأجورة في أكثر الأحيان أو بلا أجرة في أحوال نادرة».
لنا أن نسأل: أين نشاط المستشرقين في خدمة الاستعمار في هذا الاقتباس؟!
إن هذا الاقتباس – أصلاً – يتحدث عن أسلوب يتبعه المبشرون الغربيون في الدعوة إلى الديانة المسيحية عبر الصحافة. وقد اجتزأه السباعي على نحو مخل بسياقه الزمني وسياقه الموضوعي.
سياقه الزمني وسياقه الموضوعي هو قول المؤلفين: «منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، والمبشرون يسعون إلى استغلال الصحافة استغلالاً واسعاً في سبيل التبشير. إنهم يرون أن المسلمين يكثرون من قراءة الصحف، ولكنهم يرون أيضاً أن (المادة المسيحية) قلّ أن يقبل عليها القراء، وقلّ أن يفسح لها الصحافيون مكاناً في صدر صحفهم إلا إذا عُدّت في باب الإعلانات ودفع المبشرون عنها أجراً بعدد سطورها».
في آخر سطر من هذا الاقتباس أحال المؤلفان إلى مصدر أجنبي. وفي آخر سطر من سطور الاقتباس الذي اقتبسه السباعي منهما، أحال المؤلفان – أيضاً – إلى مصدر أجنبي.
إننا إن توخينا التسلسل الزمني بعد نشر «الغارة على العالم الإسلامي» في جرائد ومجلات عام 1912، وبعد نشره في كتاب عام 1931، نجد هذا الربط على نحو أوضح مما جاء في «توطئة» وفي «مقدمة» كتاب «الغارة على العالم الإسلامي» في مقال حسين الهراوي الأول «حكاية فنسنك والمجمع اللغوي الملكي»، المنشور بجريدة «الأهرام» بتاريخ 11 أكتوبر (تشرين الأول) 1933. ففي هذا المقال، قال: «لما اشتدت وطأة المبشرين في الإغواء والتضليل، وغزو عقل المسلمين بمختلف الطرق، عكفنا على دراسة شيء غير قليل من طرقهم ومؤلفاتهم وخرجنا بنتيجة رسخت في عقيدتنا رسوخاً قوياً. هي أن المستشرقين هم طلائع المبشرين، وأنهم هم الذين يمهدون السبيل لتشكيك المسلمين في عقائدهم، وأنهم هم الذين يمهدون للمبشرين سبيل الطعن في الإسلام وفي نبيه الكريم، وأنهم الذين يزودونهم بأنواع شتى من الشعوذة العلمية باسم الاستنتاج التحليلي والنقد الفني وحرية الفكر، والمباحث العلمية الحرة».
النتيجة التي وصل إليها الهراوي، وهي «أن المستشرقين هم طلائع المبشرين» يقصد بها أنه وصل إليها مذ كتب مقاله «المستشرقون والمبشرون، وكيف نرد عليهم» المنشور في «ملحق السياسة الأدبي» في 8 يوليو (تموز) 1932.
وهذا التاريخ يرجعنا إلى تاريخ أقدم قليلاً من التاريخ الذي نشر فيه مقاله الأول عن فنسنك في جريدة «الأهرام».
ونجد عنده هذا الربط بين الاستشراق والتبشير أيضاً في هذا المقال حينما هاجم المستشرقين الذين كتبوا مواد في دائرة المعارف الإسلامية.
في عام 1936، العام الذي صدر فيه كتاب حسين الهراوي «المستشرقون والإسلام» تصدّرت الكتاب قصيدة طويلة نظمها الشاعر أحمد محرّم في مدح صاحب الكتاب. هجا المستشرقين في ستة عشر بيتاً من أبياتها. ومما قاله في هجوهم:
مستشرقين أثاروا نقعَ حملتهم حتى كأنهم طلاب أوتار
يخفون تحت ستار البحث كيدَهمُ وهم على دین قسیسین أحبار
الفرادة التفرّد في هذه القصيدة، هي أنها أول وآخر قصيدة هُجي المستشرقون بها في الشعر العربي الحديث. وأول وآخر قصيدة في هذا الشعر وردت كلمة «مستشرقين» فيها.
الحكم الأخير كان حكماً صحيحاً إلى ظهر يوم الثلاثاء الماضي. ففي ظهر ذلك اليوم، نشر الشاعر الصحوي سعد عطية الغامدي في حسابه الشخصي على منصة «X» قصيدة قصيرة هجا بها أعضاء «مؤسسة تكوين الفكر العربي»، سبّ في بيت يتيم من أبياتها المستشرقين بالاسم بلا مناسبة.
وللحديث بقية.