ظل المصريون يستغربون صمت الحكم تجاه الأذى الذي يأتيهم من تركيا من دون أن يسألوا عن الأسباب التي تدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الترحيب بالإخوان، والإنفاق على نشاطهم، وتوفير ملاذات آمنة لهم، واستقطاب كل معارض مصري، حتى لو غير إخواني، وإفساح المجال له للظهور في الفضائيات التي تبث من هناك، لسب الرئيس المصري وشتم الشعب والبكاء على أيام حكم الإخوان، ولذلك لم يكن مفاجئاً بيان النائب العام المصري المستشار نبيل صادق أمس، والذي كشف فيه عن قضية جديدة متهم فيها رموز وأعضاء من جماعة «الإخوان المسلمين» بالتخابر مع تركيا، ليس فقط لأن مواقف الرئيس التركي من مصر بعد سقوط حكم الإخوان معلنة ومعروفة، أو لكونه من الأصل إخوانياً مقتنعاً بما يقره ويأمر به مرشد الجماعة، ويعمل كغيره من الإخوان على تنفيذه، ولكن لأن تطورات الأحداث في الإقليم وداخل كل من مصر وتركيا تؤشر إلى أن مصر صارت بالنسبة إلى تركيا منذ سقوط حكم الإخوان دولة مناوئة، وبالتالي فإن كل السياسات والإجراءات التي تتخذها الدولة التركية تسير في اتجاه تحقيق الأذى لتلك الدولة المناوئة، ولأن أعداداً كبيرة من رموز الإخوان فروا من مصر واختاروا تركيا ملاذاً لهم، وأسسوا فيها منصات إعلامية تعمل على مدى اليوم على إسقاط الحكم في مصر، وتحريض الناس ضد الجيش، وتشويه كل إنجاز، والسخرية من كل نجاح، والإساءة إلى كل شخص أو جهة لا تطالب بعودة الإخوان إلى الحكم، فإن نشاطاً مكثفاً كهذا لا يمكن أن يتم دون توزيع للأدوار بين عناصر من الإخوان ما زالوا داخل مصر وآخرين في تركيا، وبطبيعة الحال فإن تعاوناً كهذا يحتاج إلى تنسيق تتولاه الجماعة، وبالتالي جاء الإعلان عن قضية تورط الاستخبارات التركية في القيام بمهمة التنسيق وتوفير الدعم اللوجستي لتحقيق ما تنادي به تركيا نفسها، وكذلك الجماعة، عبر فضائيات تبث من اسطنبول، ومواقع إلكترونية يقوم عليها «إخوانجية» مستقرون في المدن التركية، وخطاب إعلامي وسياسي تحول في مراحل لاحقة إلى تشكيلات سياسية معلنة يجتمع عناصرها وأعضاؤها في قاعات وفنادق في أنقرة أو اسطنبول، أو مدن تركية أخرى، وتبث مؤتمراتهم على الهواء، وتتلى بياناتهم على الناس، وكلها تدعو إلى إسقاط الحكم في مصر ونشر الفوضى والاعتداء على الجيش والشرطة، وتبرير كل عملية إرهابية، والادعاء بأن التصدي للإرهابيين كبت للحريات!
على رغم أن المعلومات حول القضية الجديدة شحيحة، لكن يمكن أي شخص يتابع السياسات التركية تجاه مصر منذ رحيل مرسي عن المقعد الرئاسي أن يتوقعها، والمؤكد أنها لن تخرج عن تلك المعلومات التي أُعلنت حول قضية أخرى متهم فيها مرسي نفسه وآخرون من الإخوان بالتخابر مع قطر! فالإخوان لديهم عناصر وعائلات وأسر داخل مصر يُلبون كل نداء للمرشد ومستعدون دائماً لتنفيذ أي أمر يعتقدون أنه يخدم الجماعة، حتى لو كان ضد باقي فئات الشعب في مصر ويتسبب في نشر الفزع والخوف والرعب بين الناس، ولأن أجهزة الدولة تراقب وتتابع نشاط الجماعة فإن رموز التنظيم في الخارج يتولون إدارة النشاط ويصدرون الأوامر والتوجيهات، وبعيداً عن المواقف التركية تجاه الدول ذات الثقل في الإقليم كالسعودية ومصر والإمارات، والتي ظهرت في التعاطي التركي مع أزمة قطر، فإن مصر تمثل بالنسبة إلى تركيا قضية مفصلية في ضوء الحلم الإخواني الكبير، الذي بدا وكأنه سيتحقق بفعل «الربيع العربي»، ثم أتى الشعب المصري وحوله إلى كابوس، بعدما ثار ضد حكم الجماعة واستجاب الجيش للإرادة الشعبية، فضاع الحلم التركي والأمل الإخواني.
قضية التخابر مع تركيا تطور طبيعي قد يدفع الرئيس التركي إلى مزيد من العناد، والإخوان إلى التصعيد في النشاط، لكنها تعكس إصرار الحكم في مصر على المضي في طريق «تنظيف» المشهد السياسي من شوائبه، وعدم الخضوع إلى الابتزاز السياسي والإعلامي، وتضرب كل شائعة أو معلومة مفبركة أو خبر كاذب عن مساعٍ يفكر فيها الحكم لمصالحة مع الإخوان! الكشف عن القضية باختصار يؤكد أن كل ما أنفقته تركيا وقطر وجهات غربية لتضميد جراح الإخوان وإعانتهم على العودة إلى المشهد السياسي ذهبت هباء، والصراع بين الدولة المصرية والإخوان لن ينتهي إلا بهزيمة ساحقة لأحد طرفيه… والدولة في طريقها إلى إعلان نهائي بالانتصار.