تتناسى قطر أنها أول دولة خليجية طبعت العلاقة مع الكيان الصهيوني، وأن الجمهور العربي شاهد امحللين السياسيين الصهاينة لأول مرة عبر قناة الجزيرة، وأن رؤية اسم “إسرائيل” مغروساً في خريطة العالم العربي كانت من خلال نفس القناة هناك هوس حقيقي وعصاب جماعي يعتري كل أفراد الترسانة الإعلامية القطرية عندما تتحدث بصوت مرتجف عن السعودية والإمارات، وخصوصاً عندما تتهمهما بأنهما تسعيان للتطبيع مع إسرائيل. تتناسى قطر أنها أول دولة خليجية طبعت العلاقة مع الكيان الصهيوني، وأن الجمهور العربي شاهد امحللين السياسيين الصهاينة لأول مرة عبر قناة الجزيرة، وأن رؤية اسم “إسرائيل” مغروساً في خريطة العالم العربي كانت من خلال نفس القناة.
تغفل قطر هذه الحقائق لتنطلق وتمارس دور رجل الدين الواعظ الذي يذكّر بشناعة وحرمة التطبيع، إن كان من سيطبع هو السعودية أو الإمارات، أما التطبيع القطري-الإسرائيلي والتطبيع التركي-الإسرائيلي فيُجاب عنهما بآلاف الردود التي لا تمرّ إلا على الحمقى والدراويش ممن عشعشت قناة الجزيرة في جماجمهم وباضت وفرّخت. من أسخف هذه الأعذار، أن يقول القطريون نحن فاسدون وقد طبّعنا، لكن المملكة بلاد الحرمين لا يجوز لها أن تُطبّع. هذا مجرد أنموذج من الحالة المازوخية التي نراقبها وندرسها منذ 21 سنة.
هناك خطابان يقدمهما النظام القطري، خطاب موجه للجماهير العربية يُظهر قطر على أنها المناضل العروبي الإسلامي الحريص على قضايا الأمة والمدافع عنها، وهناك خطاب قطري آخر موجه نحو العالم الغربي، وهو خطاب يختلف جدا عن الأول، ولا يمارس شيئاً من عنترياته. الخطاب الجماهيري معروف، أما الخطاب الثاني الذي تظهر فيه الحقيقة فقليلون من يُحسنون تصوّره وكيف يعمل.
ينبغي أن يعلم كل مهتم بقضية التطبيع أن الحالة الهستيرية التي تُصيب الإعلام القطري عندما يتحدث عن احتمالية التطبيع بين السعودية وإسرائيل أو الإمارات وإسرائيل، لها سر خفي عن عموم الناس، هذا السر هو أن قطر و تركيا تهاجمان أدنى حراك وأدنى ما تتخيلان أنه سعي للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، رغم أن الدولتين قطر وتركيا، تتمتعان بعلاقات طبيعية جداً مع إسرائيل. هذا فعلاً شيء عجيب: كيف تنهى عن فعلٍ وتأتي مثله؟! لماذا تصاب قطر بالجنون عندما تشعر أن دولة خليجية غيرها قد تطبّع؟!
فعلاً هناك سر، وهتك السر أن التطبيع له امتيازات كبرى ومصالح عظمى، على الصعيد السياسي والمكانة التي تحظى بها الدولة المطبّعة في الامم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، لا تقدّر بثمن، فالدولة العربية المطبّعة لها مكانة خاصة لدى الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوربي وتُعامل معاملة استثنائية على كافة الأصعدة. غير المكانة السياسية، هناك امتيازات اقتصادية وأنواع أخرى، بحيث تكون الدولة المطبّعة هي الدولة التي يعتمد عليها الغرب في المنطقة. قطر تريد لهذه المزايا ان تبقى حكراً عليها، لا يشاركها فيها أحد، خصوصاً السعودية والإمارات. هذا هو السبب الحقيقي والسر الخفي وراء حالة العصاب التي تثور بين حين وآخر في ترسانة الإعلام القطري ولا علاقة للأمر بفلسطين ولا القدس ولا كل قضايا العرب.
عندما طبع الرئيس المصري أنور السادات العلاقة بين مصر وإسرائيل، كانت قطر ممن أعلن الشجب والاستنكار، فرد الرئيس السادات بمقولته الشهيرة:
“قطر تشجب وتستنكر .. طفاية سجاير تشجب وتستنكر!!”
لكن الحال تغيرت في قطر ولم تبق على الشجب والاستنكار. الأمر له علاقة بالجهود الجهنمية لمهندس العلاقات القطرية-الإسرائيلية حمد بن جاسم، صديق الصهاينة منذ أن كان شاباً يدرس في الولايات المتحدة، حيث هرول بقطر نحو الإسرائيليين قبل أن يجف الحبر الذي تم التوقيع به على اتفاقية أوسلو 13 سبتمبر (أيلول) 1993. فَعَل هذا دون أن ينتظر نتائج ومخرجات هذه الاتفاقية وهل ستصب في صالح القضية الفلسطينية أم لا. هذه الهرولة القطرية تلقتها إسرائيل بالترحاب وكان رجع صداها زيارة شمعون بيريز للدوحة في 1996. تلك الزيارة التي تم فيها التوقيع على اتفاقية بيع الغاز القطري لإسرائيل وإنشاء بورصة للغاز القطري في تل أبيب، وافتتاح مكتب تجاري إسرائيلي في الدوحة، يقوم بمعظم – إن لم يكن كل – أعمال السفارة الفعلية.
كل هذه التفاصيل يمكن مراجعتها من خلال كتاب “قطر وإسرائيل – ملف العلاقات السرية” للكاتب الإسرائيلي سامي ريفيل الوزير المفوض سفارة إسرائيل في العاصمة الفرنسية باريس، والذي عمل في السابق، مديراً لمكتب مدير عام وزارة خارجية إسرائيل ومديراً لمكتب المصالح بين البلدين في الدوحة بين عام 1996 إلى عام 1999.
يصف هذا الكتاب درجة التهالك القطري من أجل تمسك الدوحة بعلاقتها مع دولة الاحتلال، وأن التهالك قد وصل لأقصى حدوده حينما بادرت الدوحة بتزويد إسرائيل بالغاز لمدة غيرمحدودة وبأسعار رمزية، بعد توقف إمدادات الغاز الطبيعي إلى إسرائيل من خلال خط الأنابيب المصري الواقع في سيناء بعد أن فجرته جماعة إرهابية لم تُعلن عن نفسها ولم تطالب بشيء!!!
أما الخطوط القطرية المملوكة لحمد بن جاسم فقد كان لها دور مشهود في عمليات “لَم الشمل” وجمع شتات اليهود من كل أصقاع العالم ونقلهم إلى فلسطين، طلباً لرضا الصهاينة. في عام 2013 وحده نقل 60 يهودياً من اليمن إلى إسرائيل عبر الدوحة في عملية أشرفت عليها تل أبيب، وكانت تهدف لنقل 400 شخص هم البقية الباقية من اليهود في اليمن. مثل هذه القصص لن تسمعها من طاقم قناة الجزيرة لكنها وقعت.
أما المملكة والإمارات فموقفهما واضح تمام الوضوح ولن تنافسا قطر فيما تخشى أن تخسره. موقفهما هو التمسك بمبادرة الملك عبد الله التي أصبح اسمها “المبادرة العربية للسلام”، والتي وافق عليها العرب قاطبة، والموقف كما هو لم يتغير كما هو ظاهر من ردة الفعل على قرار الرئيس ترمب نقل سفارة واشنطن إلى القدس. ورغم وضوح الموقف إلا أن قطر تعيش رعباً حقيقياً من أن يتم التوصل إلى سلام بين العرب وإسرائيل وينتهي الصراع فتفقد بذلك الكثير من المصالح المرتبطة بكونها الدولة الخليجية الوحيدة التي تمارس التطبيع وتستفيد منه.