قمة الرياض بين بوتين وترامب: أوكرانيا محور النقاش وأوروبا والشرق الأوسط على الطاولة

10

 

بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بدأ المشهد الدولي في التحول سريعًا نحو إعادة ترتيب الأولويات، حيث سارعت الدبلوماسية الأمريكية والروسية إلى تمهيد الأرضية لقمة مرتقبة بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وجاء اللقاء الأولي بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي في السعودية ليؤكد أن الرياض ستكون المحطة الأولى للقمة المنتظرة، مما يعكس الدور المتزايد للمملكة كوسيط دولي في القضايا الكبرى.
أوكرانيا: الملف الأكثر تعقيدًا
تُعد الحرب في أوكرانيا العنوان الرئيسي للمحادثات، حيث يسعى ترامب إلى إيجاد مخرج سريع لهذا النزاع الذي استنزف الموارد الأمريكية وأثار انقسامات داخل واشنطن. وبالنسبة لبوتين، فإن الجلوس على طاولة التفاوض مع إدارة أمريكية جديدة قد يفتح الباب أمام صفقة تُعيد رسم حدود الصراع وفق المصالح الروسية.
يريد ترامب إنهاء الدعم المفتوح لكييف، لكنه في الوقت ذاته لا يريد أن يُنظر إليه على أنه منح روسيا انتصارًا مجانيًا. لذا، فإن أي اتفاق محتمل قد يشمل ترتيبات أمنية جديدة، مثل ضمان حياد أوكرانيا مقابل انسحابات جزئية للقوات الروسية، أو اتفاق حول مستقبل المناطق التي سيطرت عليها موسكو.
أوروبا: إعادة رسم موازين القوى
إلى جانب أوكرانيا، لن تكون أوروبا بعيدة عن أجواء القمة، خاصة أن ترامب سبق أن انتقد حلف الناتو واتهم الدول الأوروبية بالاعتماد المفرط على الحماية الأمريكية. هنا، قد يحاول ترامب إعادة تعريف دور واشنطن في أوروبا، وربما الدفع نحو تفاهمات جديدة مع روسيا تهدئ التوترات بين موسكو والعواصم الأوروبية، مقابل إعادة ترتيب المصالح الاقتصادية والأمنية بما يخدم أجندته الداخلية.
الشرق الأوسط: الرياض وسيطًا رئيسيًا
اختيار السعودية لاستضافة القمة ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل يعكس الدور المتزايد للرياض كوسيط مؤثر في الملفات الدولية الكبرى. إذ تتداخل المصالح الروسية والأمريكية في الشرق الأوسط في قضايا مثل:
إيران: حيث تسعى واشنطن لتشديد الضغط عليها، بينما تواصل موسكو التنسيق معها في مجالات عسكرية واقتصادية.
سوريا: حيث لا تزال روسيا اللاعب الرئيسي، بينما تسعى إدارة ترامب إلى تقليص النفوذ الإيراني هناك.
الملف الإسرائيلي-الفلسطيني: حيث قد تستغل السعودية القمة لدفع مبادرات دبلوماسية جديدة تعزز الاستقرار الإقليمي.
هل تشكل القمة نقطة تحول؟
إن لقاء بوتين وترامب في الرياض قد يكون مقدمة لتحولات كبيرة في السياسة الدولية، سواء عبر إنهاء الحرب الأوكرانية، أو إعادة تشكيل النظام الأمني الأوروبي، أو حتى رسم ملامح جديدة لدور الشرق الأوسط في المعادلات العالمية. لكن يبقى السؤال: هل سينجح الطرفان في الوصول إلى صفقة تُرضي الجميع، أم أن التحديات ستبقي الصراع مفتوحًا لفترة أطول؟
المشهد الحالي يختلف جذريًا عن حقبة الحرب الباردة، رغم بعض أوجه التشابه. في التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وجدت الولايات المتحدة نفسها القطب الأوحد، حيث لم تكن هناك قوة دولية قادرة على موازنتها. أما اليوم، فالوضع أكثر تعقيدًا، لأن روسيا رغم ضعفها مقارنة بالاتحاد السوفيتي، لا تزال قوة عسكرية كبرى، كما أن الصين صعدت بقوة كلاعب اقتصادي وعسكري، ما يجعل المشهد متعدد الأقطاب وليس ثنائيًا كما في السابق.
هل تعيد القمة المشهد القديم؟
القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين قد تحمل أوجه تشابه مع اللقاءات التي كانت تحدث خلال الحرب الباردة، لكنها تأتي في سياق عالمي مختلف:
التنافس لم يعد محصورًا بين أمريكا وروسيا: اليوم، هناك الصين التي تمثل تحديًا أكبر بكثير لواشنطن من موسكو، سواء اقتصاديًا أو عسكريًا. وبالتالي، فإن واشنطن ترى موسكو كعامل يجب التعامل معه، لكنها تركز استراتيجيتها بشكل أكبر على احتواء بكين.
روسيا ليست الاتحاد السوفيتي: صحيح أن موسكو تحاول استعادة نفوذها، لكن اقتصادها أضعف بكثير من أن يقود كتلة عالمية منافسة للغرب كما كان الحال مع الاتحاد السوفيتي. روسيا تعتمد بشكل رئيسي على قوتها العسكرية والدبلوماسية، لكنها لا تمتلك الإمكانيات الاقتصادية التي تجعلها نداً كاملاً لأمريكا.
النظام العالمي بات أكثر تعقيدًا: لم تعد المواجهة تدور بين كتلتين أيديولوجيتين متعارضتين (الرأسمالية مقابل الشيوعية)، بل بين دول ذات مصالح متغيرة وتحالفات مرنة. الصين، على سبيل المثال، تتعاون مع روسيا لكنها ليست حليفة تقليدية لها كما كان حال الدول الشيوعية في زمن الاتحاد السوفيتي. كما أن أوروبا رغم تبعيتها لأمريكا، بدأت تبدي رغبة في تحقيق استقلال استراتيجي عن واشنطن.
إذن، ما المتوقع من القمة؟
القمة بين ترامب وبوتين قد تؤدي إلى تهدئة التوترات حول أوكرانيا، وربما اتفاقات تعيد رسم النفوذ الدولي في بعض المناطق. لكن من غير المرجح أن تعيدنا إلى مشهد الحرب الباردة، لأن النظام العالمي لم يعد أحادي القطب كما كان بعد التسعينيات، ولا ثنائيًا كما كان خلال الحرب الباردة، بل بات أقرب إلى نظام متعدد القوى حيث تلعب الصين، وأوروبا، وحتى دول مثل الهند والبرازيل، أدوارًا لا يمكن تجاهلها.

التعليقات معطلة.