د.إيمان يسرى
علاقة الصوت بالإدارة من العلاقات المثيرة جدا، لأنها تمس جانبا مهما من حياة كل إنسان، سواء كان يعمل أو يرغب في الحصول على وظيفة أو لا يعمل. فكل إنسان يدير عمل ما في حياته (ويشمل ذلك الأعمال المنزلية)، مهما كان هذا العمل بسيط أو صغير. وإدارة العمل تشمل أيضا إدارة البشر الذين يعملون في هذا العمل باختلاف مناصبهم. مما يأخذنا حتما إلى التواصل بين البشر وبعضهم البعض بهدف تحقيق إنجازات وتكليفات العمل المطلوب.
التواصل بين البشر يمكن أن يكون لفظي منطوق باستخدام “الصوت”، أو لفظي مكتوب باستخدام “الكتابة”، التي تعد وسيلة تواصل رسمية موثقة بين العاملين وبعضهم أو بينهم وبين رئيسهم أو مديرهم. أما “الصوت” فيعد وسيلة إعطاء الأوامر وتعليمات العمل أو توزيع المهام المطلوبة أو طرح الأسئلة والاستفسارات والإجابة عليها.
وهذا التواصل الصوتي الإداري (اللفظي المنطوق) من أهم أدوات الإدارة والقيادة في أي مجال. لأن الصوت ليس فقط وسيلة لنقل الكلام، ولكنه أيضا يحمل بين طياته معلومات هامة جدا عن شخصية المتكلم (المدير) ومدى ثقته في نفسه وطريقة إدارته ومدى تحمله وقدرته على الإدارة وحل المشكلات ومواجهة الأزمات التي تحدث في العمل وبين العاملين.
فإذا كانت الإدارة تتعلق فقط بنقل التعليمات والأوامر الخاصة بتكليفات العمل، فيكفي التواصل باستخدام “الكتابة” عن طريق البريد الإلكتروني (الإيميلات) أو الخطابات الرسمية الموجهة أو خريطة ورقية معلقة في مقر العمل وبها المهام اليومية لكل موظف. ولكن الإدارة الفعلية لأي عمل تتطلب تواصل صوتي (والذي قد يغنينا عن التواصل الكتابي في كثير من الأوقات). وذلك لأن التواصل الصوتي أكثر فاعلية وأكثر تأثيرا في بيئية العمل والعاملين، سواء كان هذا التأثير سلبي أو إيجابي.
نبرة الصوت التي تظهر أثناء التواصل الصوتي الإداري تعبر عن مدى قدرة المدير في إقناع الموظفين وتحميسهم وتشجيعهم على العمل، أو مدى قدرته على إحباطهم وهز ثقتهم في أنفسهم وفي المكان الذي ينتموا إليه، وكل ذلك باستخدام نبرات صوت مختلفة. فقد يستطيع المدير إبراز أفضل ما في موظفيه من صفات وقدرات ومهارات باستخدام نبرة صوت صحيحة أثناء الحديث معهم طبقا لكل موقف؛ أو يظهر أسوء ما في شخصيات موظفيه وينفرهم من العمل باستخدام نبرة صوت خاطئة في المواقف المختلفة.
هيا بنا صديقي القارئ نطبق ذلك على مثال فعلي، إذا أراد المدير إقناع الموظفين بفعل شيء معين يتطلبه العمل، ويفيد في تطوير أداء الشركة أو المؤسسة، فلابد أن يستخدم نبرة صوت هادئة وواضحة. وبعض المديرين يستخدمون نبرة صوت متعالية وجافة، فقد ينفر الموظفون من أداء العمل ويتهربون منه حتى إذا كان باستطاعتهم فعله. كما يجب على المدير، أيضا، أن ينصت جيدا لأسئلة الموظفين، ويجيبها بهدوء ووضوح، فإذا أجاب المدير على الأسئلة بنبرة صوت ساخرة، فقد لا يقوى الموظفين على أداء العمل المطلوب بالرغم من استطاعتهم، لأن نبرة الصوت الساخرة تؤثر سلبا على ثقتهم في أنفسهم، وتشعرهم بالدونية.
وإذا كان المدير يحاول إقناع الموظفين بشيء ما، وهو ليس مقتنعا به (ويوجد ذلك بالفعل في عدة مؤسسات، لأن كل مدير لديه مدير يفرض عليه شيء ما ويأمره بتنفيذه حتى إذا كان غير مقتنع)، ويظهر عدم اقتناعه من خلال نبرات صوته، فيتصور المدير أنه لا يمكن تحقيق ذلك العمل، إلا باستخدام نبرة صوت قاسية وعنيفة، لأن حينها يتصور المدير أن هذه النبرة هي الصحيحة للخروج من هذا المأزق، لكي يتم تنفيذ العمل دون أن يشعر الموظفين بأنه غير مقتنع به. لإنه إذا حاول إقناعهم وهو فاقد السيطرة على صوته فقد “يتلجلج” ويتحدث بصوت منخفض غير مسموع، وغير واضح، مما يجعل الموظفين يشعرون بعدم ثقته في نفسه. ولكن في حقيقة الأمر استخدام نبرة الصوت القاسية والعنيفة تُظهر مدى الضعف الإداري لهذا المدير وعدم ثقته في نفسه أيضا. في كلتا الحالتين، يشعر الموظفون بذلك، ويتهامسون فيما بينهم، ويقومون بتنفيذ المطلوب بأقل جودة وأقل مجهود. والتصرف الصحيح في هذا المأزق، أن يجتهد المدير في صياغة الأمر في نقاط محددة ويتحدث إلى موظفيه بنبرة صوت حماسية وواضحة، بحيث تزيد من إصرارهم وحماسهم، ليستجمعوا طاقتهم ويقدموا أفضل ما لديهم.