قوة سرية صغير لحمض نووي قد تطلق رصاصة فضية على السرطان

1

قوة سرية صغير لحمض نووي قد تطلق رصاصة فضية على السرطانحمض أر أن إيه يكشف أسراره (مؤسسة نست)

في اكتشاف علمي جديد قد يمثل خطوة كبيرة في مكافحة السرطان، كشف العلماء عن قوة غير متوقعة للحمض النووي الريبوزي المشهور بإسمه المختصر “آر أن إيه” RNA، ويشار إليه أحياناً بإسم “رنا”.

ويوصف “آر أن إيه” بأنه الأداة التي تتولى تنفيذ الأوامر الصادرة من الشيفرة التي يحتويها الجينوم، ويحولها إلى “وقائع” في الأنسجة والأعضاء المختلفة، إذ يرسل “أدواته” إليها بدقة تامة.

يؤدي “رنا” دورًا حيويًا في جسم الإنسان، وقد يصبح علاجاً جديداً يقدر على استهداف الخلايا السرطانية بشكل أكثر فعالية. ويعتبر هذا الاختراق بمثابة “رصاصة فضية” محتملة في محاربة المرض، من خلال استهدافه الأورام بدقة والحدّ  من الآثار الجانبية للعلاجات الأورام الخبيثة كالعلاجين الكيماوي والإشعاعي.

وتذكيراً، صُنِعَ لقاح “كوفيد 19” بالاستفادة من خصائص حمض “رنا” الوراثي.

كشف آلية في العلاقة بين السرطان وأمراض اخرى

تأتي هذه التطورات في مجال حمض “آر إن إيه” بعد التعمق في فهم قدراته في السيطرة على نمو الخلايا والتفاعلات الجينية. وقد يفتح هذا الإكتشاف الباب أمام تقنيات علاجية جديدة تكون أكثر فعالية في مواجهة السرطان.

داخل كل خلية، وفي قلب كل نواة، يعتمد بقاءك على قيد الحياة على عملية معقدة للغاية. ويؤدي الحمض الوراثي الشهير “دي أن أن” DNA الدور الأساسي فيها، إذ تحتوي تركيبته على الشيفرة الجينية لصنع أعضاء الجسم وتسيير عملها. ويبعث “دي أن إيه” برسائل إلى حمض “رنا” الذي يتولى تنفيذها.

وفي الدراسة الجديد التي نُشرت في 2 تشرين الأول (أكتوبر) في المجلة العلمية Nature، اكتشف فريق من العلماء بقيادة البروفيسور تشوان هي من جامعة شيكاغو، بالتعاون مع البروفيسور مينجيانغ شو من مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس في سان أنطونيو، آلية محددة في تعامل حمض “آر أن إيه” مع حمض  DNA في خلايا الجسم، تتعلق بجين يعرف باسم “تيت 2” TET2. 

يبدو أن تلك الآلية تفسر ألغازاً قدييمة عن العلاقة بين الأورارم السرطانية ومجموعة من الأمراض الاخرى، تتصل بحدوث طفرات في تركيبة الجين “تيت 2”.

وبحسب تشوان هي، الأستاذ المتميز في قسم الكيمياء وقسم الكيمياء الحيوية وعلم الأحياء الجزيئي في جامعة شيكاغو ومحقق في معهد هوارد هيوز الطبي، “يمثل هذا الاكتشاف اختراقًا علمياً في مفاهيمنا”، وفق ما نشر موقع “ساينس دايلي”  Science daily.

ووفق رأيه، “لا يقتصر هذا الاكتشاف على تقديم أهداف علاجية لأمراض عدة”، بل يسهم أيضًا في الإضاءة على دور مادة رئيسية لها مصدر جيني، وهي مشتركة بين الأورام الخبيثةة وأمراض اخرى.  

اكتشافات جديدة لـ RNA

نجح مختبر تشوان هي في إسدال الستارة عن اكتشافات كثيرة غيّرت بكشل كبير فهمنا لكيفية عمل الجينات. في عام 2011، اكتشف الفريق أن حمض “رنا” يؤدي دوراً حاسماً في إعطاء الفرصة أمام جينات معينة، وفق اختياره، كي ترسل أوامرها إلى الخلايا والأنسجة كي تؤدي أعمالاً بيولوجية محددة.   

وانطلاقاً من هذه النقطة، وجه الفريق اهتمامه إلى جين يُسمى “تيت 2” الذي عُرِفَ عنه آنذاك، أنه يحفز أمراضاً كثيرة كلما تغيّرت تركيبته وتحوَّرتْ. ومثلاً، تحدث هذه الطفرات في 10 إلى 60 في المئة من حالات سرطان الدم المختلفة (اللوكيميا). ولم يكن العلماء يعرفون السبب وراء هذه الطفرات، مما أعاق بشكل كبير البحث عن علاجات فعّالة.

وقضى الباحثون سنوات في دراسة تأثيرات TET2 على الحمض النووي “دي أن إيه”. في المقابل، اكتشف فريق تشوان هي أن “تيت 2” يؤثر فعلياً على  حمض “آر أن إيه”، حينما يسهم في حدوث أمراض وأورام. 

ومثلاً، في حقبة ما بعد الولادة، تكون الخلايا في حالة نشاط فوّار كي تصنع الأنسجة والخلايا المختلفة والمتنوعة للجسم الآخذ في النمو. ويعمل جين “تيت 2” على كبح تلك الفورة. وفي حال فقد ذلك المكبح قوته، تنفلت بعض أنواع الخلايا في التكاثر على حساب الاخريات. ويعتبر ذلك أبسط لوصف آلية تشكُّل الأورام السرطانية.

وفي هذا السياق يوضح هي “إذا كان لديك طفرات في TET2، فإنك تعيد فتح مسار النمو الذي قد يؤدي في النهاية إلى السرطان، خصوصًا في الدم والدماغ”.

بارقة أمل ورصاصة فضية

أكثر ما يثير حماس باحثي السرطان في هذا الاكتشاف هو أنه يمنحهم مجموعة جديدة تمامًا من الأهداف لتطوير الأدوية.

وفق هي “نأمل في الحصول على رصاصة فضية للتخلص بشكل انتقائي من خلايا السرطان وحدها، من خلال استهداف المسار المحدد الذي ينشط” الخلايا السرطانية عبر حدوث تحور في جين “تيت 2”. 

في سياق متصل، نعلم أن طفرات TET2 لها عواقب أخرى غير السرطان، إذ تساهم في زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية والسكري وغيرها.

التعليقات معطلة.