كان ناخبو ولاية أيوا على موعد مع مناظرة أخيرة قبل الإدلاء بأصواتهم الاثنين المقبل لاختيار مرشّحهم الجمهوريّ إلى الانتخابات العامّة. لكن قبل انطلاق المناظرة في جامعة درايك، جاء الخبر الأهمّ من مرشّح جمهوريّ آخر: كريس كريستي.
أعلن كريستي، وهو حاكم سابق لولاية نيو جيرسي (2010-2018)، انسحابه من السباق لأنّه لم يجد مساراً محتملاً للفوز. بالفعل، تضع معدّلات استطلاعات الرأي نسبة تأييده على المستوى الجمهوريّ العامّ عند 3.5 في المئة تقريباً. لقد فشل كريستي حتى في التأهّل إلى المناظرة الأخيرة لأنّه لم يحصد 10 في المئة من الأصوات في 3 استطلاعات عامّة و/أو متعلّقة بولاية أيوا. هناك أيضاً، حصل كريستي على ما معدّله 3.4 في المئة من الأصوات. إذاً أين أهمّيّة الإعلان؟
أوّلاً بعض النقاط عن سياسة كريستي
كريستي هو المرشّح الجمهوريّ الوحيد الذي خاض حملته على قاعدة مهاجمة الرئيس السابق دونالد ترامب. شدّد على أنّ الرجل يريد العودة إلى البيت الأبيض لتحقيق انتقام شخصيّ وبذلك سيشكّل “خطراً” على الولايات المتّحدة. وكان المرشّح الوحيد الذي لم يرفع يده حين سئل المرشّحون في مناظرة آب الماضي عمّا إذا كانوا سيصوّتون لترامب في حال أدين بإحدى التهم الموجّهة إليه لكنّه فاز ببطاقة الترشيح الحزبيّة. ولكريستي نفسه موقف متقلّب نوعاً ما من ترامب.
خلال حملة 2016، حذّر كريستي في السباق التمهيديّ من خطورة ترامب أيضاً. ما اشتهر به في تلك الحملة كان تدمير حظوظ السيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو قبل فترة قصيرة من الانتخابات التمهيديّة في ولايته. لكنّ ذلك لم يسعف كريستي في حملته فأعلن انسحابه بعد انتخابات نيو هامبشير أوائل شباط (فبراير). بعدها، عاد ودعم ترامب قبل أن يعلن إدانته لما جاء في تسجيل صوتيّ مسرّب سُمع فيه ترامب وهو يتحدّث بطريقة مبتذلة عن النساء. يعتقد البعض أنّ كريستي ظلّ مع ذلك راغباً بمنصب في الإدارة لكنّه نفى ذلك. يقول كريستي إنّ النقطة المفصليّة التي جعلته على قطيعة مع ترامب هو الادّعاء بأنّ انتخابات 2020 “سُرقت منه”. بنى كريستي حساباته على أنّ جرأته ستكسبه شعبيّة بين الجمهوريّين المعارضين جداً لترامب (نحو 30 في المئة). لم ينجح. في الواقع، ظلّ كريستي يحصل على أعلى صافٍ سلبيّ كفرق بين نسبتي التأييد والمعارضة بين المرشّحين الجمهوريّين.
حكم كريستي ولاية نيو جيرسي الديموقراطيّة بنجاح وهذه نقطة إيجابيّة بالنسبة إلى شخصيّة جمهوريّة. لكن في 2013، تمّ إغلاق مسارين على جسر جورج واشنطن بين نيو جيرسي ونيويورك ممّا أدّى إلى شلّ حركة مدينة فورت لي. تبيّن لاحقاً أنّ مقرّبَين من الحاكم أصدرا الأوامر انتقاماً من عمدة المدينة الذي لم يصوّت له سنة 2012. حُكم عليهما بالسجن في ما عُرف حينها بفضيحة “بريدج غيت“. قال آخرون حينها إنّ كريستي كان على دراية بهذا الأمر حتى ولو لم تصدر بحقّه إدانة. لكنّ البعض يرى أنّ انعدام حظوظ كريستي بين الجمهوريّين تعود إلى فضائله لا إلى عيوبه حيث أنّ الحزب الجمهوريّ تغيّر عمّا كان عليه في السابق.
ثمّة نقطة إضافيّة مهمّة تتعلّق بالانتخابات. يتقاسم كريستي وهايلي نسبة كبيرة من الناخبين المناهضين لترامب ومن الناخبين المعتدلين عموماً. في المناظرة ما قبل الأخيرة، برز تدخّل كريستي للدفاع عن الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولاينا بوجه المرشّح “الميني ترامبيّ” فيفيك راماسوامي قائلاً إنّه يختلف معها لكنّه يقدّر ذكاءها. ويتّفق المرشّحان أيضاً على ضرورة الحفاظ على الردع الأميركيّ العالميّ وخصوصاً على دعم أوكرانيا. بالرغم من انسحابه، لم يعلن كريستي عن تأييده أيّاً من المرشّحين بمن فيهم هايلي. لكنّ المراقبين، واستطلاعات الرأي على أيّ حال، يعتقدون أنّ النسبة الكبرى من مؤيّدي كريستي ستذهب إلى هايلي. لكن طالما أنّ شعبيّته متدنّية، كيف يمكن لهايلي أن تستفيد؟
ولاية أيوا
قد تبدو نسبة 3.5 في المئة ضئيلة وهي كذلك. لكنّها لا تعني أنّها غير مهمّة. تخوض هايلي سباقاً تنافسيّاً مع ديسانتيس للحلول في المرتبة الثانية بعد ترامب (51.8 في المئة). ركّز ديسانتيس حملته على أيوا باعتبارها ولاية محافظة ومنصّة انطلاق فالتقى بناخبيها في جميع مقاطعاتها الـ99. على العكس، ركّزت هايلي القسم الأكبر من حملتها على نيوهامبشير لكنّها بدأت في كانون الأوّل (ديسمبر)، أي في وقت متأخّر نسبيّاً، حملتها في أيوا. بالنظر إلى أنّها أكثر اعتدالاً نسبيّاً في قضايا الإجهاض و”الحرب الثقافيّة” بالمقارنة مع ديسانتيس، ليست أيوا فعلاً نقطة قوّة لهايلي. مع ذلك، تقترب الأخيرة من تجسير الهوّة التي تفصلها عنه.
بحسب معدّلات “فايف ثيرتي أيت”، يملك ديسانتيس 17.2 في المئة من نسب التأييد في الولاية مقابل 16.8 لهايلي. قلّة توقّعت أن تقترب هايلي من ديسانتيس إلى هذا الحدّ. بالمناسبة، إنّ استطلاعات الرأي الصادرة هذا الشهر تظهرها متعادلة أو متفوّقة حتى على ديسانتيس. معنى هذا أنّ الزخم إلى جانبها. لو حصدت حتى 2 في المئة من الأصوات التي كانت ستذهب إلى كريستي فستكون قد حسمت المركز الثاني (على افتراض أنّ الاستطلاعات قريبة من أرض الواقع) وربّما حقّقت ما يشبه المفاجأة الأولى في هذا السباق. ويستطيع المستقلّون أو الديموقراطيّون تسجيل اسمهم كجمهوريّين في الولاية للتصويت الاثنين قبل أن يعودوا إلى موقعهم الحزبيّ الأساسيّ بعده. وهذا أيضاً يخدم هايلي. في هذا السيناريو، ستنتقل هايلي بزخم أكبر إلى الولاية المفصليّة الأهمّ: نيو هامبشير
المفاجأة الكبرى
في هذه الولاية، لا تحقّق هايلي تقدّماً ملحوظاً وحسب. صحيحٌ أنّها في المركز الثاني أيضاً خلف ترامب، لكنّها تقلّص الفارق مع كلّ استطلاع. في هذا الشهر، صدرت نتائج ثلاثة استطلاعات في نيو هامبشير: بحسب أحدها، (جامعة سوفوك)، تبتعد هايلي عن ترامب بعشرين نقطة. لكنّ استطلاع جامعة نيو هامبشير بالتعاون مع “سي أن أن”، يضع هايلي على مسافة 7 في المئة من ترامب، واستطلاع “مجموعة الأبحاث الأميركيّة” عند مسافة 4 في المئة. مجدّداً، الزخم إلى جانبها.
لتبسيط الأرقام أكثر، ووفق معدّل استطلاعات “فايف ثيرتي أيت”، تبتعد هايلي عن ترامب بنحو 12.5 في المئة فقط: 29.4 مقابل 42.4. هل تستطيع هايلي إغلاق الفجوة؟ هنا تلعب أرقام كريستي أهمّيّة خاصّة. بحسب المعدّلات نفسها، هو يملك 11.6 في المئة من الأصوات. بحسب استطلاع جامعة نيو هامبشير، ثلثا مؤيّدي كريستي سيصوّتون لهايلي كخيار ثانٍ. بالحدّ الأدنى، قد تخسر هايلي أمام ترامب ببضع نقاط. بالحدّ الأقصى، ستخرج هايلي مع المفاجأة الكبرى: إلحاق أوّل هزيمة بمن يبدو أنّه لا يُهزم. الرجل الأقرب إلى “ملك” على الجمهوريّين سيلاقي هزيمته على يد سفيرته السابقة إلى الأمم المتّحدة… وكلّ ذلك قبل توجّه السباق بعد شهر الى ولايتها ساوث كارولاينا.
ماذا يعني كلّ ذلك؟
توقّعُ ما سيحصل في تلك الولاية صعب. لا يزال ترامب متفوّقاً على منافسته بنحو 30 نقطة وهو حصل على تأييد عدد من كبار الجمهوريّين هناك. الواضح أنّه بالرغم من فوز في نيوهامبشير ستظلّ مهمّة تضييق الهامش شاقّة على هايلي. وستكون أصعب حتى في الولايات التي تليها. فالمعتدلون والمتعلّمون في الولايات اللاحقة أقلّ ممّا هم عليه في نيو هامبشير. وبالرغم من انسحابه، سُمع كريستي وهو يقول، ربّما من دون أن يدري أنّ مكبّر الصوت شغّال، أنّ هايلي ستتعرّض “للسحق” في الانتخابات. هل كانت تلك الكلمات مقصودة؟ وهل كانت ردّاً على الحملة الضاغطة الكبيرة التي تعرّض لها في الأسابيع القليلة الماضية للانسحاب من نيوهامبشير وفشله في الحصول على تأييد حاكمها الجمهوريّ الواسع الشعبيّة كريس سونونو؟
جميع الاحتمالات مفتوحة. الأكيد أنّ مناهضي ترامب باتوا يتجرّأون على الأمل. ولو بحذر كبير.