بقلم : معن حمية
منذ أن نُصّب محمد بن سلمان ولياً على العهد في السعودية، وأصبح هو الآمر الناهي بامتيازات ملكية، حصلت تطورات داخلية في السعودية، تمثّلت باعتقال المئات من الأمراء بتهم الفساد، وبعضهم من العائلة السعودية الحاكمة. الأمر الذي كشف جانباً من مخطط محمد بن سلمان، وهو جانب الاستئثار بالحكم وتهميش منافسيه ضمن العائلة وتهشيمهم.
قد لا يدرك محمد بن سلمان، أنّ إجراءات، كالتي تسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، لا تلغي كونه آتياً إلى الحكم بالبيعة، كما أنها لا تبيّض صفحة السعودية السوداء في مجال حقوق الإنسان. وبالتالي فإنّ ما يقوم به لن يجعل منه شخصاً «حداثوياً»، لأنّ الحداثة تحتاج إلى مسار تراكمي يشمل جميع مناحي الحياة، ونقطة البداية في هذا المسار، هي الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهما معضلتان مستعصيتان في السعودية.
وعليه فإنّ نظرية محمد بن سلمان «العلاج بالصدمة» تبدو محدودة الصلاحية. وهي بالتأكيد أحدثت اهتزازات كبيرة وفجوات عميقة، ليس على المستوى السعودي الداخلي وحسب، بل على صعيد المحيط والإقليم. فالداخل السعودي في حالة غليان، وإنْ كان هذا الغليان لم يطفُ على السطح لغاية الآن. فبعد اعتقال أمراء بتهم الفساد، وإطلاق سراح معظمهم بموجب صفقات مالية، بات قسم كبير من هؤلاء يشعرون بمضاضة «ظلم ذوي القربى»، وهذه من العوامل التي تفاقم حدّة الشرخ.
أما في ما خصّ دور السعودية وسياساتها تجاه دول المنطقة والاقليم، فقد رتّب عليها أعباء كبيرة في الاقتصاد والسياسة. فهي ضخّت أموالاً طائلة لمصلحة الإرهاب، وأرسلت آلاف الإرهابيين لقتل السوريين، لكنها رغم ذلك فشلت وحلفاءها في إسقاط الدولة السورية، وهي لن تستطيع في المدى المنظور أن تعيد وصل ما انقطع مع السوريين دولة وشعباً.
كما أنّ السعودية تشنّ منذ ثلاث سنوات حرباً على اليمن، وألقت آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ على اليمنيين فدمّرت البيوت والمؤسسات والمستشفيات والبنى التحتية وقتلت آلاف المدنيين لا سيما الأطفال منهم، لكنها لم تتمكن من تحقيق الأهداف التي وضعتها، ما شكل ضربة قوية لخطة محمد بن سلمان الذي أراد من وراء الحرب على اليمن أن يقدّم أوراق اعتماد للولايات المتحدة كي تصبح السعودية شرطي المنطقة القادر على فرض الإملاءات، غير أنّ صمود اليمن أفشل المخطط السعودي الذي أداره إبن سلمان.
إنّ السياسات غير المحسوبة التي اعتمدتها السعودية، أفضت أيضاً الى معاداة قطر التي تعتبر شريكاً رئيساً لها في صناعة الإرهاب ودعمه وتمويله، وهي بذلك قوّضت وحدة مجلس التعاون الخليجي، وهذا ليس في مصلحة السعودية.
كما أنّ وقوف السعودية في السنوات الأخيرة رأس حربة في العداء لإيران يندرج في سياق السياسات القاصرة والمتهوّرة، واستعداء إيران ارتدّ سلباً على الرياض، نتيجة دعم طهران للمقاومة في فلسطين.
ومن خلال خطوات التطبيع مع العدو «الإسرائيلي» وضعت السعودية نفسها شريكاً كاملاً في صفقة القرن لتصفية المسألة الفلسطينية، لتنكشف حقيقة أنّ دور السعودية في الحرب على سورية، إنما جاء في سياق صفقة القرن.
أما وقد فشلت السعودية في كلّ رهاناتها باستثناء التطبيع مع العدو، فإنها تسعى للإمساك بأوراق كادت أن تفقدها بشكل كلي. فلبنان الذي شكّل في بداية الحرب الإرهابية على سورية الخاصرة الرخوة، وبعدما أخفقت السعودية في إعادته الى مربع التوتر بعد احتجاز رئيس حكومته ودفعه الى إعلان استقالته، تعاود اليوم التقرّب منه، ليس لأنها تريد صياغة علاقة صحيحة، بل من أجل أن تثبت لحلفائها أنها لا تزال تملك أوراقاً تمكنها من مواصلة الدور الذي تقوم به.
فأيّ دور ستلعبه السعودية في موسم الانتخابات النيابية؟