!كل شيء تدمر تقريباً..السودانيون على أعتاب المجاعة

2

الغذاء ينفد في السودان

 تتواصل التداعيات الخطيرة على المواطنين والمنظومة الاقتصادية في السودان بعد مرور نحو 10 أشهر على اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع. وتسببت الحرب التي اندلعت في 10 نيسان (ابريل) من العام الفائت والفوضى المصاحبة لها في إحداث شلل تام في كل مناحي الحياة للمواطنين والمؤسسات المالية والمنظومة الاقتصادية بأكملها، الأمر الذي ينذر بمزيد من المؤشرات السلبية على الصعيد الاقتصادي، ومن معدلات الفقر الحالية.

وبحسب وزيرة الصناعة السودانية المكلفة محاسن علي يعقوب، تسببت الحرب في تدمير 90% من القطاع الصناعي في البلاد. كما انعكست جملة الأزمات المستمرة على انخفاض قيمة العملة المحلية السودانية مقابل الدولار الأميركي منذ اندلاع الحرب، ليسجّل سعر صرف الدولار حالياً 1200 جنيه سوداني، مرتفعا من مستوى 600 جنيه في نيسان الماضي.

ورطة المواطنين

 وأكد خبراء واقتصاديون في تصريحات خاصة  الى”النهار العربي” أن أبرز ملامح التأثر والمؤشرات الخطيرة على الصعيد الاقتصادي، تباطؤ معدلات النمو، وقفزة هائلة على صعيد معدلات التضخم، وذلك في ضوء ارتفاع مستويات المخاطر، وآثار مدمرة على السكان؛ فقد شهدت البلاد انهيار الأنشطة الاقتصادية، وتضرر الأصول والممتلكات الاستراتيجية للدولة، وانهيار المستوى المعيشي للأسر، وارتفاع معدلات الفقر وتدهور قيمة العملة المحلية، بالإضافة إلى شلل تام في أغلب القطاعات والمؤسسات المالية بما فيها المصارف.

وخلال 10 أشهر، تعرض نحو 100 فرع لمصارف عاملة في البلاد لعمليات نهب وحرق وتدمير كامل، بما فيها أجزاء كبيرة من بنك السودان المركزي.

إبطاء النمو

الخبير الاقتصادي هيثم فتحي قال لـ”النهار العربي” إن الحرب الدائرة في السودان، بخلاف التداعيات الإنسانية المباشرة والفادحة، ستؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي ورفع معدلات التضخم، وذلك بعدما شهد الاقتصاد السوداني ارتفاعاً حاداً في مستويات المخاطر عموماً، وازدادت صعوبة المفاضلة بين السياسات الاقتصادية.

وأضاف أن الحرب أحدثت مجموعة من الآثار “المُدمرة” على الاقتصاد والسكان؛ على وقع عوامل الصراع المتفاقمة، وبما تضمن: انهيار الأنشطة الاقتصادية  وتضرر الأصول والممتلكات الاستراتيجية للدولة، وكذلك ما شهدته الممتلكات الشخصية للمواطنين من عمليات سلب ونهب، ونزوح عدد كبير من مواطني العاصمة وغيرها من الولايات، وانهيار المستوى المعيشي للأسر منذ بداية الحرب، وارتفاع معدلات الفقر “المدقع” على أثر تلك التطورات.. مؤكداً أن تلك التداعيات وأكثر تعد من أبرز الآثار الاقتصادية المدمرة للحرب. ‏

وأشار فتحي إلى أن تدهور الأوضاع الاقتصادية، مع انخفاض قيمة الجنيه السوداني وتفاقم أزمة الكهرباء، وكذلك المياه “شبه المعدومة” في بعض المناطق، جميعها عوامل أدت إلى “شلل تام في مؤسسات الدولة والحياة العامة في الخرطوم” كما أدت إلى إغلاقات للمدارس والجامعات.

وأوضح أنه مع تداعيات هجرة عدد من التجار من القطاعين الصناعي والحرفي من مشغلي العمالة، إلى مصر ودول الجوار، فقد أسفر ذلك عن زيادة نسبه البطالة في السودان إلى أكثر من 35 في المئة. كما أدى ضعف آلية تشغيل البنى التحتية كالقطاعات الصحية والخدماتية، إلى تعطل عملية الدوران الاقتصادي وتهالك سوق الإنتاج، مترافقاً بضعف بالقدرة الشرائية لشريحة واسعة من السودانيين، ما زاد من نسبه الفقر في البلاد.

وأكد فتحي أن الاقتصاد السوداني يسير من “سيئ إلى أسوأ”، بسبب غياب الحل السياسي، واستمرار العقوبات الأميركية والأوروبية المعلنة وغير المعلنة، وأن أي تحسن في الاقتصاد السوداني بعد الحرب مرتبط بمدى الانفتاح الخارجي إقليمياً ودولياً.

وأشار إلى أن السودان كدولة والسودانيين كمواطنين بعد الحرب يحتاجون لدعم مادي “طارئ وسريع واستثنائي” يلبي جزءاً قليلاً من الاحتياجات الأساسية التي تتزايد من لحظة لأخرى، في محاولة لتطوير الإنتاج المحلي وإعادة الاعتماد عليه، والاهتمام بتطوير القطاع الزراعي ليوفر الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية.

تداعيات ومؤشرات خطيرة

ويرى مازن أرشيد، الباحث في الشؤون الاقتصادية، في تصريحات الى “النهار العربي”، أن الصراع في  السودان أحدث ضربة شديدة للاقتصاد، مع تباطؤ نقل البضائع والأشخاص بسبب تجوال القوات والعصابات في الشوارع، كما أصبحت شبكات الاتصالات غير موثوقة.

وأضاف أن تلك الأمور أدت إلى “تقنين الغذاء والماء”، اذ شهدت أسعار السلع ارتفاعاً حاداً، مثل زيادة سعر كيلوغرام اللحم الضأن بنسبة تقارب 30%، وتضاعف سعر الطماطم، فيما أصبح الوقود نادراً ومكلفاً كثيراً، مع زيادة سعر الغالون ليصل إلى ما يعادل 40 ألف جنيه سوداني، مقارنةً بـ2000 جنيه سابقاً.

وأشار أرشيد إلى أن الاقتصاد السوداني كان يعتمد اعتماداً كبيراً على المجتمع الدولي للتمويل، وقد تأثر بشدة بسبب ما يوصف بأنه انقلاب عسكري في عام 2021 أوقف الانتقال إلى الديموقراطية، ما أدى إلى تعليق العفو عن الديون والمساعدات البالغة قيمتها مليارات الدولارات من قبل الجهات المانحة الرئيسية؛ بما في ذلك الولايات المتحدة والبنك الدولي. لذلك يرى أنه سيكون للصراع في السودان تأثير كبير على الاقتصاد والشعب السوداني، ما يعرقل جهود المؤسسات الدولية لإخراج اقتصاد السودان من أزمته من خلال برنامج تخفيف الديون بقيمة 65 مليار دولار.

وأوضح أرشيد أن أزمة الأمن الغذائي في السودان، تفاقمت حيث يواجه نحو 18 مليون شخص، أي ما يعادل 37% من السكان المحليين، مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما أدى العنف المتزايد إلى نزوح أكثر من 6 ملايين شخص، بخاصة من الولايات التي شهدت مستويات عالية من العنف المنظم، بما في ذلك دارفور وكردفان الكبرى والخرطوم، وخصوصاً في منطقة العاصمة الثلاثية المكونة من الخرطوم وبحري وأم درمان.

كما أدى النزاع إلى إلحاق أضرار جسيمة وتدمير البنية التحتية الحيوية، مثل المرافق الصحية والمدارس والطرق ومصادر الطاقة والمياه، بالإضافة إلى أصول الاتصالات، فضلاً عن النهب الواسع للأسواق والبنوك والصناعات والمباني العامة إلى زيادة نقص الخدمات الأساسية والسلع الغذائية وغير الغذائية في جميع أنحاء البلاد، ما زاد من تفاقم الوضع الهش لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.

آثار مدمرة

وبحسب تقرير أعدّه مركز “فكرة” السوداني للدراسات والتنمية، تراجعت المساحة الزراعية في البلاد لتصبح المحاصيل المزروعة تغطي مساحة 37 في المئة فقط من إجمالي الأراضي المهيأة للزراعة.

الدكتور وائل فهمي، المحلل الاقتصادي، قال لـ”النهار العربي” ان لا اختلاف بين آثار الحرب الدائرة في السودان وبين آثارها في غزة حالياً، بخاصة أن الحربين   أدتا إلى النتائج ذاتها بالنسبة الى المواطنين واقتصادهم في البلدين.

وأشار إلى أن المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع تشهد دماراً شاملاً مقارنة بمناطق لجوء المواطنين إلى التي تسيطر عليها القوات المسلحة أو دول الجوار الآمنة التي لم يحدث بها الدمار لقواعد الاقتصاد الإنتاجية بها.

وأوضح أن معيشة المواطنيين تختلف بحسب وجودهم في كل  منطقة، حيث تتوارد الأنباء عن أن المواطنين في بعض المناطق يعجزون عن تدبير وجبة واحدة كافية أو مغذية في اليوم، بينما يصعب الحصول عليها أيضاً في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة بسبب ضعف الحصول على الدخل، بخاصة بعد قطع شبكات الإنترنت، وضعف المرتبات أو عدم دفعها لبعض الشرائح من العمال؛ وذلك تحت التضخم الجامح الذي يضعف بسرعة شديدة القوة الشرائية لهم في هذه المناطق، بخاصة في ظل استمرار ضعف انسياب المساعدات الأجنبية وعدم كفايتها، وربما هذا ما تعنيه منظمة الأمم المتحدة بقرب دخول السودان إلى “مرحلة المجاعة” نتيجة استمرار الحرب وعدم قدرتها للوصول إلى مستحقي مساعداتها على الأقل.

وأوضح فهمي أن كل هذه الإفرازات السيئة على المواطنين هي نتيجة بديهية لنوعية الحرب الدائرة في السودان حالياً، كون أبرز ملامح تأثير هذه الحرب إرهاق المواطن نفسياً وصحياً وتدمير الاقتصاد السوداني. وقد انعكس هذا الوضع في اعتماد الحكومة القائمة موازنة الحرب وإعلانها عدم إمكان دفع الرواتب لمدة 3 سنوات، ولجوء المواطنين الى بعض دول الجوار الأقرب لهم بالطرق غير الرسمية وانهيار سعر الصرف وتفشي ظاهرة الندرة الاقتصادية في السلع والخدمات، بخاصة مع صعوبة وصول المساعدات الأجنبية الى مستحقيها، بخاصة في مناطق سيطرة ميليشيا الدعم السريع.

كما أن استمرار الحرب يعني أن القوتين المتحاربتين ما زالتا تجدان التمويل والعتاد الكافي لاستمرار حربهما، وهو ما يعني إدخال الاقتصاد في فخاخ المديونيات الخارجية التي سيعاني منها الاقتصاد السوداني بشدة لاحقاً.

التعليقات معطلة.