الأرجح أن جائحة كورونا قد انقضت وانتهى تهديدها بالنسبة إلى معظم سكان الأرض الذين عانوا سنوات صعبة تلت انتشار تلك الجائحة في خريف العام 2019. ووفق أرقام رسمية، حصدت الجائحة أرواح 7 ملايين شخص، لكن الأرقام الفعلية قد تفوق ذلك بكثير.
أصبحت إجراءات الوقاية جزءاً من ماضٍ غير بعيد، وكذلك الحال بالنسبة إلى الإصابات بأشكال مختلفة من فيروس “كوفيد- 19”. ولكن، ثمة شبحاً أساسياً باقياً من تلك الجائحة، يتمثل بمرض “كوفيد” الطويل الأمد Long COVID.
وعلى الرغم من إعلان “منظمة الصحة العالمية” رسمياً انتهاء جائحة كورونا في ربيع العام 2023، إلّا أن التقارير العلمية والصحافية لا تزال تركّز على استمرار معاناة مجموعة كبيرة من البشر، من أعراض “كوفيد” الطويل الأمد، وأبرزها التعب المستمر وأوجاع العضلات التي تكاد لا تتوقف، والصداع الدائم.
تعب محطِّم ووجع مستمر
وأخيراً، قدمت وكالة الصحافة الفرنسية تقريراً مطولاً عن الموضوع. وقد استُهِلَّ بعرض حالة أندريا فانيك (33 عاماً) التي أصيبت بكوفيد الطويل الأمد في 2021، ولم تُشفَ منه حتى الآن على رغم من متابعتها علاجات متنوعة.
وتُمضي فانيك معظم أيامها أمام نافذة شقتها في فيينا. ولا تبذل أي مجهود كبير خوفاً من مواجهة نوبة جديدة من الضعف العضلي المنهك.
ووفق حديثها، “حياتي متوقفة، لأنني لا أعرف إلى متى سيستمر مرضي”. ويصبح فتح عبوة من المياه أشبه بمهمة مستحيلة لها حينما تنتابها نوبة ضعف عضلي.
في بداية الأمر، تمثلت أعراض فانيك بدوار وخفقان في القلب، وتقلّصت قدرتها على المشي، قبل أن يتبدّل مجرى حياتها. وفي خضم هذا التحوّل، اضطرت إلى التخلّي عن دراستها في الفنون التطبيقية.
وبالأرقام، يتبيّن أنه من بين 777 مليون إصابة مسجّلة، يعاني ملايين الأشخاص أعراضاً طويلة الأمد، أبرزها التعب الشديد، وضيق التنفس، وآلام العضلات، وإحساس بضباب في الدماغ.
ويعاني 6% من الأشخاص المصابين بفيروس “كوفيد” الطويل الأمد. وفي ذلك الصدد، تشير أنيتا جاين التي تعمل في “برنامج الطوارئ الصحية” التابع لـ”منظمة الصحة العالمية”، أن “كوفيد” الطويل الأمد يمثّل “مشكلة خطرة تؤثر على عدد كبير من الأشخاص”، مع الإشارة إلى أن تكرار إصابة الشخص نفسه بكوفيد ومتحوراته، يزيد من خطر معاناته الشكل الطويل الأمد من ذلك الفيروس.
ومثلاً، لقد أصيبت شانتال بريت (56 عاماً) التي تعيش في مدينة “برن” السويسرية، بفيروس كورونا في آذار (مارس) 2020. وقد تغيّرت حياتها بالكامل.
وبحسب وصفها، “لطالما اعتدت أن أستيقظ في الصباح الباكر، وبسرعة. واليوم، أحتاج إلى ساعتين على الأقل للنهوض من السرير، لأنني أشعر بألم في كل أنحاء جسمي. لقد كنت مدمنة على العمل. ولا يزال الشعور بالعجز والانكسار يذهلني”.
وقبل تلك المعاناة، شكّلت الرياضة نوعاً من “العلاج” لهذه العدّاءة السابقة. وحاضراً، باتت لا تتحرك إلّا قليلاً. وكذلك يتعيّن عليها التخطيط لحياتها اليومية لحظة بلحظة، كالتفكير مثلا أين ستجلس إذا خرجت للتسوق.
تتنوَّع الأعراض والعجز واحد
توضح النمساوية بريت، أنها خسرت وظيفتها في مجال الاتصالات قبل عامين، بعد أن طلبت تخفيض ساعات عملها، مشيرة إلى أنها حصلت على عمل بدوام جزئي في الأبحاث الجامعية المتخصصة بـ”كوفيد” الطويل الأمد.
وفي وصف مؤلم، تورد بريت أيضاً أنّ عدم فهم محيطها للمرض يُتعبها، مضيفة “إنه مرض غير مرئي، وبالتالي فإنه ينطوي على وصمة”.
وبحسب “منظمة الصحة العالمية”، تُصاب النساء أكثر من الرجال بـ”كوفيد” الطويل الأمد. ويعاني حوالى 15% من المصابين أعراضاً تستمر أكثر من عام، وقد يسُجَّل سنوياً ما يزيد على 200 حالة من “كوفيد” الطويل الأمد.
وتشهد الإصابات تقلّباً مع الوقت، وربما تتضاءل أو تشتد إلى حدّ تعجز الطواقم الطبية عن التعامل معه.
وتعلّق الخبيرة في منظمة الصحة العالمية، أنيتا جاين، على ذلك، مشيرة إلى ضرورة “مضاعفة الجهود لمساعدة المرضى والأطباء بالأدوات اللازمة للكشف عن الحالة في مرحلة مبكرة”.
وثمة مسألة أخرى تتمثل بالدعم المالي لمرضى “كوفيد” الطويل الأمد. ويستند ذلك إلى أن كثيرين منهم يصبحون في حالة غير مستقرة. ومثلاً، رفعت أندريا فانيك دعويين قضائيتين للمطالبة بالحصول على أكثر من 800 يورو (840 دولاراً) شهرياً. ولا تزال الدعوتان مرفوعتين أمام المحاكم النمساوية.
وفي النمسا، يُعتبر هذا المبلغ غير كافٍ لتغطية نفقاتها التي زادت بفعل العلاجات والأدوية. وتأمل شانتال بريت في حصول تقدّم في علاج أعراض “كوفيد” الطويل الأمد، “التي ينبغي معرفتها بشكل أفضل”، بحسب رأيها.