رئيس الوزراء حيدر العبادي أعلن الأسبوع الماضي عن تشكيل تحالف “النصر” لخوض الانتخابات، وانضم اليه على الفور تحالف “الفتح” الذي يضم الفصائل الشيعية التي حاربت تنظيم “داعش” ويتزعمه هادي العامري، والغريب في ذلك ان كلا الطرفين كانوا حتى قبل أيام أعداء يتبادلون الاتهامات، بينما كان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر ابرز المنتقدين لهذا التحالف ووصفه بـ “الطائفي”.
ولكن تحالف العبادي سرعان ما تفكك، واعلنت الفصائل الشيعية الانسحاب منه بعد يوم فقط على اعلان التحالف ضمن أحداث دراماتيكية كلّفت رئيس الوزراء خسارة الكثير من شعبيته، كما أن أصواتا سرية قادمة من النجف حيث يقطن المرجع الشيعي علي السيستاني تضمنت امتعاضا من حركة العبادي.
حتى قبل أسبوع كانت خريطة التحالفات تشير الى تقارب العبادي مع الصدر ضد تقارب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مع الفصائل الشيعية، ولكن مفاوضات غامضة لم يتوقعها اقرب المحللين حوّلت العبادي والصدر الى أعداء، وجعلت الفصائل الشيعية والعبادي أصدقاء، بينما بقي المالكي وحيدا بلا حلفاء، جرى كل ذلك ورائحة طهران لم تكن غائبة عنها.
لا يمكن لهذه التحولات الدراماتيكية ان تتم بين ليلة وضحاها دون ان يكون لايران يد فيها، وفقا لمراقبين ومحللين، وتشير تسريبات الى ان القائد في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني المسؤول عن الملف العراقي يقف وراء هذه الصفقة واجرى مصالحة بين العبادي والفصائل الشيعية لضمان وحدة الصف الشيعي، اذ ان هدف ايران ان يبقى منصب رئيس الوزراء بيد الشيعة مهما كانت خريطة التحالفات.
ولكن الرياح جرت بما لا يشتهي العبادي، الرجل الذي ينظر اليه كزعيم وطني استطاع توحيد الشيعة والسنة لمحاربة المتطرفين فوجئ بموجة انتقادات كبيرة بين العراقيين، كان اكثرها قسوة موقف مقتدى الصدر الذي وصف في بيان التحالف بين العبادي والفصائل الشيعية “بالطائفي”، وأكد انه لن يدعم مثل هذا التحالف.
في الواقع ثلاثة عوامل وقفت وراء انهيار التحالف بين العبادي والفصائل الشيعية بهذه السرعة، موجة الاستياء الشعبي، انعدام التجانس بين أحزاب تحالف العبادي، وغياب قانون للانتخابات يحدد طريقة توزيع المقاعد.
استياء شعبي
تحالف العبادي والفصائل الشيعية لم يفاجئ القوى السياسية فحسب، بل فاجأ أيضاً المواطنين اذ كانوا ينظرون الى العبادي رجل المرحلة الذي استطاع هزيمة داعش وتحرير المدن السنية ونجح في سياسة الحياد بين طرفي الصراع إيران والولايات المتحدة واستطاع إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج.
مئات المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي عبّرت بوضوح عن صدمتها من التحالف بين الطرفين، تضمنت المنشورات مقاطع لكلام العبادي وهو ينتقد مرارا الفصائل المسلحة التي تسعى للعمل خارج اطار الدولة، واخرى لكلامه عن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة والتخلي عن المحاصصة الطائفية، في مؤشر الى تنامي الوعي الشعبي.
كان تحرير الموصل احد اللحظات التاريخية في البلاد، وكان مشهد العبادي وهو يتوسط جنرالات الجيش في قلب الموصل معلنا تحرير المدينة من المتطرفين عاطفيا في نفوس سكان المدينة، وسبقه المشهد نفسه في مدينة الفلوجة حتى استطاع الرجل كسب شعبية طاغية في الاوساط السنية لم يحظ بها اي رئيس وزراء على مدى العقد الماضي.
ولكن سكان المحافظات السنية ما زالت تنظر الى الفصائل الشيعية التي شاركت في معارك التحرير بخوف وقلق، فالحرائق التي حصلت بعد تحرير تكريت واختفاء المئات من سكان الانبار ما زال ماثلا في أذهان السكان، ولهذا شعروا بالصدمة من تحالف العبادي مع الفصائل الشيعية، وخسر الرجل خلال يومين جزءاً من شعبيته التي سعى لبنائها طيلة ثلاث سنوات من العمل الصعب.
الرد الاقسى الذي تلقاه العبادي جاء من رجل الدين مقتدى الصدر الذي كان ابرز الداعمين له على مدى السنوات الثلاثة الماضية ضد معارضيه من الأحزاب الشيعية وتحديدا رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فالصدر الذي اعلن صراحة خلال الشهر الماضي دعمه للعبادي لنيل ولاية ثانية، تراجع عن ذلك، وقال في بيان رسمي ان “التحالف الجديد طائفي، ولن ادعمه او انضم اليه، وسأدعم فقط التحالفات التي تضم شخصيات تكنوقراط”.
في النجف حيث يقطن المرجع الشيعي علي السيستاني، تداول مقربون منه عن امتعاضه وخيبة أمله من تحالف العبادي الجديد، وقال رجلا دين مقربان من السيستاني إن “العبادي كانت له منزلة طيبة لدى المرجعية الدينية وتنظر له بعين الاحترام، ولكنها لم تفهم حركة العبادي الأخيرة”.
لا تجانس داخل التحالف
يضم “تحالف النصر” الذي أعلنه العبادي (67) حزبا سياسيا وهو أعلى رقم يشهده تحالف انتخابي في العراق على مدى السنوات العشر الماضية، اذ ان رغبة الكثير من الاحزاب في الاستفادة من شعبية العبادي دفعتهم الى التحالف معه أملا في الحصول على مقاعد نيابية اكبر.
ولكن المشكلة ان هذه الأحزاب ليست متوافقة مع بعضها، بل إن خلافات عميقة قائمة فيما بينها، ومثلا ان التحالف يضم (17) فصيلا شيعيا معروفا بقربه من إيران أبرزها “بدر” و”سرايا الخراساني” و”عصائب اهل الحق” و”كتائب سيد الشهداء”، في المقابل يضم التحالف أحزابا سنية أبرزها “تحالف بيارق الخير” في الموصل بزعامة وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، وتحالف “معاهدون” بزعامة رئيس ديوان الوقف السني عبد اللطيف هميم، وتحالف “الوفاء” في الأنبار بزعامة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي.
بل إن هناك خلافات بين الاحزاب الشيعية داخل التحالف، وعندما انضم حزب “الحكمة الوطني” بزعامة عمار الحكيم الى العبادي، اعترضت فصائل واحزاب شيعية وأبرزها “المجلس الاعلى الاسلامي” الذي يشعر بالغبن بعدما انشق الحكيم عنه الصيف الماضي واسس تيارا سياسيا جديدا باسم “الحكمة”.
غياب قانون الانتخابات
السبب الثالث وربما الأهم هو غياب قانون للانتخابات التشريعية والمحلية، حتى الآن فشل البرلمان في التصويت على هذه القوانين المهمة، اذ ان مفوضية الانتخابات تحتاج الى قانون الانتخابات قبل ستة اشهر من موعد الاقتراع لترتيب تنظيم الانتخابات، وهذه هي المرة الأولى التي يقترب موعد الانتخابات من اربعة اشهر دون وجود قانون برغم ان الحكومة العراقية قررت إجراؤها في 12 ايار (مايو) المقبل، وبسبب ضيق الوقت فان تأجيل الانتخابات لا يزال خيارا واردا.
ومن دون قانون واضح للانتخابات لا تستطيع الأحزاب العراقية الدخول في مفاوضات جدية وواقعية لتشكيل تحالفاتها، لان قانون الانتخابات يتضمن طريقة توزيع المقاعد النيابية وتقاسم أصوات الناخبين وفق تسلسل المرشحين داخل التحالفات، وهذه القضايا هي جوهر المفاوضات الانتخابية، ولكن غياب القانون حتى الآن اجبر الاحزاب على ابرام تحالفات متسرعة غير منطقية أوقعت الكثير من الأحزاب في مأزق بينها تحالف العبادي.