اهتزت منصات الصحة العالمية على مدار الشهور الماضية على وقع تصاعد حركة نسائية تتبنى أفكاراً غير مألوفة بعنوان “الحمل الوحشي”، تروج لولادات تجري دون إشراف طبي، وسط تحذيرات متلاحقة من مخاطر تهدد الحوامل والأجنة.
وتصدرت حركة “Free Birth Society” واجهة الجدل بعد توسّعها الكبير، ونجاحها في استقطاب نساء من دول مختلفة عبر محتوى يستند إلى تصورات غير معتمدة طبياً وليس لها أي أساس من الصحة حول الولادة الطبيعية.
انطلقت “Free Birth Society” كمنصة رقمية صغيرة قبل أن تتحول تدريجياً إلى مجتمع واسع يقدم برامج تدريبية وورشاً مدفوعة.

وتعتمد الحركة على نشر فكرة “الاعتماد على الذات” في الولادة، وتشجّع النساء على خوض التجربة بالكامل دون أطباء، مستندة إلى تصوير الولادة كعملية يمكن إدارتها منزلياً دون تدخلات تحت شعار “جسد المرأة لا يحمل في طفل لا يمكنه ولادته”، رغم التحذيرات الطبية العالمية التي تؤكد أن التعامل مع المضاعفات يحتاج إلى خبرة متخصصة.
مع الوقت، تحولت الفكرة إلى تيار منظم له قواعد افتراضية تحكم سلوك المتابعات، ما أدى إلى اتساع دائرة تأثيره، خصوصاً لدى نساء يتطلعن إلى تجارب بديلة في الحمل.

قياديات بلا خلفية طبية.. ونفوذ يتسع
برزت كل من إميلي سالدايا ويولاند نوريس كلارك باعتبارهما الواجهتين الأساسيتين للحركة، حيث تشجّعان النساء على الاعتماد على حدسهنّ وليس على الفحوصات أو الأطباء، معتبرين أن “العودة إلى الطبيعة” تمنح تجربة ولادة أعمق وأكثر روحانية.

لا تحمل أي إميلي ويولاند مؤهلات طبّية، ومع ذلك تمكنتا من قيادة مئات النساء عبر مقاطع توثّق تجارب الولادة في المنازل، وإرشادات تقدمانها لحظة بلحظة.
اعتمدت الناشطتان على استراتيجية تقوم على لغة عاطفية قوية تربط الأمومة بالتمكين الشخصي، وتعيد تأطير الولادة باعتبارها فعلاً فردياً لا يحتاج إلى المستشفيات.

ومع انتشار المادة المصورة، ازدادت ثقة المتابعات فيهما، ثم تحوّلت الحركة إلى مصدر دخل يضم عضويات، حلقات خاصة، ودورات تستهدف الحوامل من مختلف المناطق.
ومن هنا تحولت Free Birth Society من مجرد حركة رقمية إلى منظومة تجارية تدر ملايين الدولارات، عبر الدورات المدفوعة، العضويات الخاصة، والمحتوى التعليمي المرئي.

موجة هجوم دولي وتداعيات مستمرة
بالتزامن مع تصاعد عدد الحالات المرتبطة بفقدان الأجنة أو تعرّض الأمهات لمضاعفات خطيرة، شنّ أطباء ومنظمات الرعاية الصحية هجوماً واسعاً على الحركة.
وأشار متخصصون إلى أن تقديم نصائح طبية دون تدريب يشكل خطراً مباشراً على الصحة العامة، وأن استمرار بث هذا المحتوى قد يقود إلى تكرار حوادث يمكن تفاديها من خلال المتابعة الطبية.
ورغم حجم الهجوم، واصلت القياديتان نشاطهما عبر المحتوى الرقمي، معتبرتان الانتقادات استهدافاً لحرية الأمهات في الاختيار، بينما لوّح خبراء بضرورة فرض ضوابط على المحتوى المرتبط بالصحة الإنجابية منعاً لاستغلال النساء.

شهادات تكشف حجم الكارثة
في نفس السياق، روت نساء من دول مختلفة أنهن تلقين توجيهات مباشرة من إميلي سالدايا ويولاند نوريس كلارك أثناء عملية الولادة عبر رسائل أو مكالمات.
بعضهن قال إنهن اتخذن قرارات حرجة تحت ضغط الشعور بالثقة في نصائح الحركة، لينتهي الأمر بمضاعفات صحية تطلبت رعاية عاجلة.

مثلاً، شهدت ولادة منزلية تأثرت فيها الأم بتوجيهات الحركة، وبقي طفلها بلا تنفس كافٍ لمدة 17 دقيقة، انتهت الواقعة بإصابة الرضيع بضرر دماغي دائم نتيجة نقص الأكسجين، وأخرى قررت وضع طفلها في البحر ليتوفى الطفل فور ولادته.
بينما اتبعت بعض النساء نصائح الحركة التي تشجع على تجنب المضادات الحيوية أثناء الحمل، ما أدى في حالات إلى التهابات خطيرة تطلبت تدخلاً طبياً عاجلاً، وتعرضت بعض الأجنة لمضاعفات مباشرة نتيجة تأخر العلاج.

تحقيقات وراء القصة
وأظهرت تحقيقات استقصائية نشرتها صحيفة “الغارديان” أن تأثير Free Birth Society تجاوز حدود التوعية الخاطئة، إذ أصبح التيار مصدراً لتغيير السلوك الإنجابي بطريقة تهدد الأم والجنين، إذ رُبطت الحركة بـ 48 حالة وفاة أو ضرر كبير للأمهات والأطفال في دول متعددة، مما يؤكد أن الفوضى في المتابعة الصحية ليست مجرد فكرة نظرية، بل لها نتائج واقعية وخطيرة.
وأشارت التحقيقات إلى أن بعض النساء لجأن إلى الحركة نتيجة خوف أو تجارب سلبية في المستشفيات، بما يشمل العنف الطبي أو الإهمال.
كما يختلف التعامل القانوني مع الولادة المنزلية بين الدول، واستغلت الحركة هذه الثغرات لتسويق برامجها دون رقابة أو مساءلة.
وأشارت بعض الأمهات إلى أن خطاب “الثقة بالعملية” دفعهن إلى تجاهل علامات خطر واضحة، ونتج عن ذلك مضاعفات استدعت نقلهن للمستشفى بعد تأخرٍ أثّر على حالتهن الصحية أو سلامة الجنين.

من ناحية أخرى، شهدت الحركة موجة من الاستقالات بين العاملين والمتعاونين معها، خصوصاً من المدرّبين والمستشارين السابقين، الذين أعربوا عن قلقهم من المخاطر الصحية الناتجة عن نصائح الحركة.

