تشير أبحاث متزايدة إلى أن التوتر المزمن والقلق والاكتئاب والحالة النفسية العامة للمرأة الحامل قد تؤثر سلباً بشكل كبير على تطور الجنين والطفل.
تشير أبحاث متزايدة إلى أن التوتر المزمن والقلق والاكتئاب والحالة النفسية العامة للمرأة الحامل قد تؤثر سلباً بشكل كبير على تطور الجنين والطفل. وفي المقابل، يبقى معدل وصول الحوامل إلى الرعاية الصحية النفسية قبل الولادة غير كافٍ.
ويتلخّص ما توصل إليه الباحثون بأن هنالك مجموعة من المشاكل النفسية التي تُعتبر الأكثر شيوعاً أثناء الحمل، حتى مرحلة ما بعد الوضع، وفق ما أشارت إليه ورقة بحثية نُشرت في 2024. إذ تعاني امرأة واحدة من بين كل خمس نساء من اكتئاب ما بعد الولادة على مستوى العالم.
في دراسة شملت 11 دولة غنية، تمتلك الولايات المتحدة أعلى معدل وفيات للأمهات. وفقاً لـ”مركز السياسات للصحة النفسية للأمهات”، تعود ربع الوفيات المرتبطة بالحمل إلى حالات الصحة النفسية، على الرغم من أن 80 في المئة من هذه الوفيات يمكن الوقاية منها.
تسلّط هذه الأرقام الضوء على أهمية تعزيز الدعم النفسي والرعاية الضرورية للمرأة الحامل لضمان صحتها وسلامة طفلها.
الحمل والاضطرابات النفسية
لم تكن الصحة النفسية جزءاً منتظماً أو متوقعاً من رعاية ما قبل الولادة حتى وقت قريب. وقد اعتقد كثيرون في السابق أن الحمل يحمي النساء من الاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى. وحتى عام 2010، حينما أُدخِلت تعديلات على تعريف اكتئاب ما بعد الولادة في “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية”، وهو مرجع رئيسي في الطب النفسي، أشار المراقبون إلى وجود نقص في “أدلة مقنعة للدلالة على أن اكتئاب ما بعد الولادة postpartum depression يختلف عن الأنواع الأخرى من الكآبة المرضية”. وجدير بالذكر أن القلق يتخالط مع الاكتئاب في أحيانٍ كثيرة.
لكن هناك اعترافاً متزايداً اليوم بأهمية الصحة النفسية خلال الحمل وبعد الولادة، حيث يمكن للمشكلات النفسية أن تؤثر على الأم والجنين على حدّ سواء.
الدعم النفسي حاجة أساسية
يدرك المتخصصون في الرعاية الصحية أن التغيّرات الهرمونية والعاطفية والمالية والاجتماعية المرتبطة بالحمل والولادة تحمل مخاطر فريدة وتحتاج إلى علاجات خاصة. وكذلك تزايد استخدام مصطلح “اكتئاب الفترة المحيطة بالولادة” perinatal depression، في الإشارة إلى فترة تشمل الحمل والأسابيع والأشهر التي تلي الولادة. يُستخدم هذا المصطلح للاعتراف بأن أعراض الاكتئاب قد تظهر خلال فترة الحمل أيضاً، وليست مقتصرة على ما بعد الولادة.
ومع ذلك، تواجه العديد من النساء صعوبات في الحصول على الرعاية النفسية اللازمة أثناء الحمل، مما يفرض تقديم ذلك النوع من الخدمات للحوامل.
أسئلة نفسية مقلقة
أظهرت الدراسات الحديثة أن الصحة النفسية للأم مؤشر مهمّ لصحة أطفالها المستقبلية على الصعيدين الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى سلوكهم.
وقد نشرت مجلة “سميثونيان” Smithsonian أخيراً تقريراً تضمّن تجربة إحدى الحوامل مع إحدى مستشفيات الولادة في أميركا، وقد توجّهت إليها بسبب إحساسها بأنها قد تضع قبل الأوان. وبحسب تلك الحامل، “كنتُ مستلقية على سرير المستشفى مع حزامين مرنين ملفوفين حول بطني الحامل. حاولت بجهد التركيز على أسئلة الممرضة المسؤولة عن التسجيل، هل فكرتِ أخيراً في إيذاء نفسكِ؟ هل تنامين جيداً؟ هل تشعرين بالأمان في المنزل مع شريككِ؟”.
في البداية، لم أفهم سبب هذه الأسئلة، لكن لاحقاً لمستُ إيلاء الأطباء أهمية للشق النفسي الذي يوازي بأهميته الصحة الجسدية للمرأة الحامل”.
وكخلاصة، ترتبط صحة الأم الجسدية والنفسية بحالة الجنين والطفل خلال مراحل مبكرة من نموه.
تفاعل نفسي بين الحامل والجنين
يشرح الدكتور فيصل القاق، الطبيب في دائرة الأمراض النسائية والتوليد في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو مجموعة خبراء السياسات الخارجية في “منظمة الصحة العالمية”، أنه “عادةً تنشغل الناس بخبر الحمل وتتناسى أو لا تولي اهتماماً، للصحة النفسية عند المرأة، والتي تُعتبر أمراً مهمّاً في هذه المرحلة”.
وأضاف، “تشمل الصحة النفسية للحامل مرحلة الاستعداد أوالتخطيط للحمل، لأن الحمل غير المرغوب قد يزيد من المشاكل النفسية وتداعياتها على صحة الحامل والجنين. وكذلك الحال بالنسبة إلى مرحلة الحمل وما بعد الولادة”.
وأشار القاق إلى دراسة نُشرت في عام 2002 في الجامعة الأميركية في بيروت، وأظهرت أن معدل انتشار الاكتئاب بلغ 18 إلى 20 في المئة في لبنان، ما يوازي المعدلات العالمية العامة. وأوضح، “نعرف جيداً أن حالة الاكتئاب شائعة في فترة الحمل وما بعد الولادة، ولعلها أكثر شيوعاً من مشاكل صحية أخرى لتلك الفترة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري”.
دماغ الجنين يتأثر بنفسية الحامل
ويؤكّد القاق أن دراسات عدة أثبتت أن تأثير الاكتئاب لا يقتصر على صحة الجنين بل يطاول نمو الدماغ لديه خصوصاً في الفصل الثالث من الحمل.
وكذلك أظهرت الدراسات أن الأمهات اللواتي عانين من القلق والاكتئاب في فترة الحمل يلدن أجنة أقل وزناً مقارنة بمن لم يعانين تلك المشاكل النفسية.
وإلى جانب ذلك، قد لا تحصل الحوامل عندنا على رعاية نفسية مناسبة، ما يضعهن وأجنتهن، قيد خطورة كبيرة.
وبالتالي، يشدّد القاق على أهمية أن تكون المتابعة النفسية للحامل جزءاً أساسياً من رعايتها الصحية. وينطبق ذلك بشكل خاص على مناطق النزاع والحروب، وقد بات لبنان يعيشها الآن، التي تتفاقم فيها الضغوط النفسية، خصوصاً الاكتئاب، على الناس كلهم، وخصوصاً الحوامل.
لا تٌهملن هذه العوارض
تعيش الحوامل النازحات تحدّيات كبيرة في مراكز الإيواء، لذلك يجب متابعتهن، والتنبّه لأي عارض قد يدل إلى كآبة مرضيَّة، مثل:
* عدم الإلتزام بالمتابعة الطبية
* البكاء
* الشعور بالقلق
* نوبات الخوف
* انعدام الحماسة أثناء التحضير للحمل
* تأثّر علاقتها مع الشريك
من المهمّ التنبّه لأي من هذه المؤشرات من قبل الطبيب النسائي الذي قد يحيل الحامل إلى مقدِّمي الرعاية النفسية بغية متابعتها من كثب.
في “اليوم العالمي للصحة النفسية”، تبقى صحة الحامل مسألة أساسية حفاظاً على صحتها وصحة جنينها.