كيف تحوّل نتانياهو إلى عبء على كل الأطراف؟

3

السفير عمرو حلمي – المصري اليوم

تشير تطورات سياسات حكومة بنيامين نتانياهو، التي تُعدّ الأكثر تطرفاً منذ نشأة إسرائيل عام 1948، إلى أنها باتت تمثل عبئاً ثقيلاً على مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، بل حتى على المجتمع الإسرائيلي ذاته، وكذلك على الجاليات اليهودية في الخارج، بعد أن بدأت تدرك خطورة التحولات الجذرية التي يشهدها الرأي العام العالمي المناهض لإسرائيل بمعدلات غير مسبوقة، على نحو قد يؤدي إلى تصاعد معاداة السامية بصورة يصعب احتواؤها.

فالقراءة الموضوعية للتجربة الإسرائيلية في ظل حكومة نتانياهو تكشف سجلاً مثقلاً بالإخفاقات الأمنية والسياسية التي أضرّت بصورة إسرائيل على المستوى الدولي.. فتصرفات حكومة نتانياهو يمكن أن تدخل إسرائيل والمنطقة في صراعات عواقبها ستكون وخيمة وستهدد أي اتفاقات سلام مستقبلية أو تلك القائمة مع دول المنطقة، فعلى الرغم من محاولات الترويج لنجاحات مزعومة في العمليات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، فإن الوقائع الميدانية أثبتت العكس تماماً. 

وقد تجسّد ذلك بوضوح في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، الذي شكّل علامة فارقة كشفت الفجوة بين الدعاية الإسرائيلية والواقع، وأكدت أن مؤسسات الدولة الأمنية لم تعد عصيّة على الفشل كما اعتاد قادتها الادعاء، فقد عجزت الأجهزة الأمنية، رغم إمكاناتها الهائلة، عن استشعار الهجوم أو التنبؤ به، مما أحدث صدمة مدوية داخل إسرائيل وخارجها. 

وقد اعترف رئيس الأركان السابق الجنرال هرزي هاليفي بالفشل الأمني قبل استقالته، فيما دعا وزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت إلى تشكيل لجنة تحقيق تشمل نتانياهو نفسه، مؤكداً أن المسؤولية السياسية لا تقل خطورة عن العسكرية.

أما زعيم المعارضة يائير لابيد، فاتَّهم نتانياهو بارتكاب «أكبر خطأ سياسي وأمني في تاريخ الدولة»، معتبراً أن رهانه على «إدارة الصراع» مع غزة بدلاً من حله جذرياً كان كارثياً. 

بدوره، وصف الكاتب الصحافي جدعون ليفي في جريدة «هاآرتس» هذا الفشل بأنه «انهيار استراتيجي يكشف زيف الأسطورة الأمنية التي تغذّت عليها إسرائيل لعقود».

وقد تضاعفت خطورة الموقف مع تطبيق الجيش ما يُعرف بـ«منهج هنيبعل»، الذي أودى بحياة مدنيين إسرائيليين بنيران جيشهم نفسه.

ورأت الصحافية أميرا هاس في جريده «هاآرتس» أن هذا السلوك «يعكس مأزقاً أخلاقياً عميقاً في بنية اتخاذ القرار العسكري»، مؤكدة أن الحكومة الحالية «تضعف أسس الديمقراطية والمجتمع معاً». 

وفي السياق نفسه، أشار رئيس الموساد السابق تامير باردو إلى أن إسرائيل تسير بخطى متسارعة نحو «نظام فصل عنصري»، محذراً من أن ذلك «خطر داخلي يفوق أي تهديد خارجي».

فإسرائيل لم تستطع القضاء على البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، ولم تنجح أيضاً في تحرير رهائنها في غزة بعد قرابة عامين من الحرب، بل أدّت بعض محاولات الإنقاذ إلى مقتل رهائن بنيران الجيش الإسرائيلي. وأظهرت استطلاعات أن غالبية الإسرائيليين باتوا يميلون إلى قبول صفقة تبادل مقابل وقف إطلاق النار، ما يعكس أزمة ثقة متفاقمة بين الحكومة والمجتمع.

أما العدوان على قطر، فقد شكّل كارثة إضافية، حيث كشفت تقارير إسرائيلية وأمريكية أن جهاز «الموساد» نفسه عارض العملية، معتبراً أنها ستضر بمسار مفاوضات الرهائن. وقد أثارت الضربة استياءً واسعاً وأدّت إلى إدانات إقليمية ودولية، فيما وصفها وزير الدفاع ورئيس الأركان الأسبق بيني غانتس بأنها “خطوة متهورة أضرت بمكانة إسرائيل الدولية وأضعفت ما تبقى من ردعها”.

غير أن أخطر ما تواجهه إسرائيل ليس على حدودها أو في ساحات القتال، بل في عمقها الداخلي.. فسياسات نتانياهو أفرزت انقساماً حاداً بين التيار العلماني واليمين الديني المتطرف.

وتتصاعد الانتقادات بسبب الإعفاءات العسكرية والامتيازات الممنوحة لطلاب المعاهد الدينية، وهو ما اعتبره الكاتب الصحافي جدعون ليفي “اختطافاً للدولة من قبل المستوطنين والمتشددين الدينيين”. 

أما الروائي ديفيد جروسمان فاعتبر أن هذا المسار يمثل “انتحاراً بطيئاً لدولة تختنق داخلياً بينما تتظاهر بالقوة الخارجية”.

وحذّر رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك من أن سياسات نتانياهو تدفع إسرائيل إلى عزلة دولية شبيهة بما عاشه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، محذراً من أن استمرار الحرب على غزة سيجعل إسرائيل عرضة للمحاكمات الدولية ويهدد شرعيتها العالمية.

وجاء خطاب نتانياهو الأخير الذي شبّه فيه إسرائيل بـ”أسبرطة” القديمة ليكشف تحوّلاً جوهرياً في تفكير القيادة الإسرائيلية. فبدلاً من تقديم إسرائيل كدولة ديمقراطية منفتحة على العالم – “أثينا الشرق الأوسط” – يقدّمها ككيان محاصر يعيش على السلاح والتوسع العسكري. لكن معارضيه يرون أن هذه الاستعارة ليست دليل قوة، بل اعتراف ضمني بالضعف، إذ إن أسبرطة التاريخية انتهت بالانهيار رغم تفوقها العسكري. 

كما كتب أ.ب. يهوشع، أحد أبرز الأدباء الإسرائيليين “إن الخطر الأكبر على إسرائيل ليس من أعدائها، بل من قيادتها التي تدفعها إلى الانهيار من الداخل”.

إن سياسات حكومة نتانياهو لم تعد تمثل خطراً على استقرار المنطقة فحسب، بل غدت تهدد تماسك إسرائيل الداخلي وصورتها في العالم. ومع تزايد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، بات واضحاً أن نتانياهو فقد قدرته على أن يكون طرفاً مقبولاً في أي مسار سلام، بعدما تحوّل إلى عبء سياسي وأمني على جميع الأطراف: الإقليمية والدولية، والداخلية، وحتى على الجاليات اليهودية في الخارج. إن بقاءه في الحكم، رغم الدعم الأمريكي غير المحدود، لا يوفّر لإسرائيل حماية أو مكانة، بل يضاعف عزلتها ويعمّق أزماتها الداخلية، ويفتح الباب أمام تحديات غير مسبوقة لمشروعها السياسي برمته.

التعليقات معطلة.