طارق الحميدصحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
في فيلم «العراب» الشهير مقولة تستحق التأمل والتذكر سياسياً، وهي: «لا تكره أعداءك إطلاقاً لأن ذلك يؤثر على أحكامك». وهذه المقولة يجب تذكرها تحديداً عند التفكير بطريقة التعاطي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وأي عدو بالمنطقة.
الآن ينوي نتنياهو اقتحام رفح بزعم الإجهاز على كتائب لـ«حماس»، وذلك بحثاً عن انتصار سياسي وعسكري، وهو ما يهدد بـ«حمام دم»، كما عنونت صحيفتنا بالأمس. ويأتي إعلان نتنياهو هذا وسط أنباء متضاربة عن التفاوض والوساطات.
ينوي نتنياهو فعل ذلك وسط خشية «حماس» من مآلات الوساطات. ومع تصريحات دولية عن نية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من قبل واشنطن ولندن وباريس، وكذلك حديث عن «الجائزة الكبرى»، أي السلام مع السعودية. حسناً، كيف يمكن فهم ذلك بعقلية باردة؟
بالنسبة لنتنياهو، الأمر واضح حيث لا يعنيه السلام، أو الضغط الأميركي، وإنما البقاء سياسياً، وتجنب المحاكمة والسجن، خشية أن يكتب التاريخ أنه السياسي الذي أضاع أمن إسرائيل، ومزق نسيجها.
ولذلك فإنه يطيل أمد الحرب، ويريد كسر «حماس» التي غيرت قواعد اللعبة من الحروب المحدودة بغزة، إلى «مغامرة» كبرى. وآخر ما يكترث له نتنياهو الآن هو ضغوط الإدارة الأميركية، خصوصاً أن بايدن دخل مرحلة المزاج الانتخابي مبكراً بوجود ترمب.
ما يريده نتنياهو هو البقاء والنجاة من السجن، هذا عدا تحقيقيات السابع من أكتوبر المقبلة حول الاختراق الأمني. بينما بالمقابل هناك يحيى السنوار الذي لا يريد مغادرة النفق إلى المجهول، ويريد رؤية الضوء آخر «النفق»، أي نجاته شخصياً وبقاء سلطة «حماس».
يحدث كل ذلك وسط صمت وارتباك إيراني ورغم الضربات التي تتلقاها الميليشيات الإيرانية بكل المنطقة، وها هو وزير خارجية إيران يقول من لبنان، حيث يتلقى حزب الله الصفعات: «لا نريد توسيع رقعة الحرب»، لأن طهران تعي أننا إزاء معركة حافة الهاوية.
ما يحدث الآن تحديداً هو ما أشرت إليه أول الأزمة بأن كلا الطرفين، نتنياهو والسنوار، يعي جيداً أن هذه معركة يصعب العودة فيها، أو التوقف، فهي معركة اللاعودة، ولا بد من منتصر ومهزوم، لأنها معركة مصير قيادات حساباتهم ذاتية ومنطلقاتهم الآيديولوجية عمياء.
الآن السؤال عن فرص السلام، هل هي حقيقية؟ بالنسبة للسعودية فهي الدولة الأكثر جدية، والتزاماً بما تقول علناً، وليست دولة أقوال في غرف مغلقة، وأوضح البيان السعودي الأخير بكل وضوح شروط الرياض للسلام.
الرياض، دائماً وأبداً، وكما أكد بيان الخارجية السعودية الأخير عن شروط السلام، هي حصن الأمان الحقيقي للقضية الفلسطينية، وكما يصفها الزميل مصطفى فحص بأنها دولة الممانعة الحقيقية بالمنطقة للحفاظ على الفلسطينيين، والسعي لإعلان الدولة الفلسطينية العتيدة.
وعليه فإن السعودية لا يمكن أن تحرق أوراقها السياسية من أجل انتخابات آخرين، أو من أجل تحقيق وعودهم الانتخابية، وإنما تريد حقن الدماء، والشروع بعملية سلام ضمن إطار واضح من أجل إعلان الدولة الفلسطينية.
ومن هنا، فإننا أمام معركة بقاء، وحافة هاوية، لا عاطفة فيها ولا مراعاة لحقن الدماء للأسف، وكل الخيارات فيها صعبة.